Getty Images/wichayada suwanachun, LanaStock, Mlenny, PIKSEL

نظرة على الطفرة الموسيقية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط: حوار مع عماد الدين مسدوا من شركة سبوتيفاي

بقلمنورا مانذاي،محررة في مجلة الويبو

13 مايو 2025

مشترك

وفقاً للتقرير السنوي "Loud & Clear" لشركة سبوتيفاي، والذي يتناول البعد الاقتصادي لصناعة الموسيقى، حقق الفنانون في جميع أنحاء العالم نجاحاً لم يُر له مثيل على اختلاف اللغات والمناطق. ففي عام 2024، أطلق الفنانون الذين حققوا عائدات فاقت 1 مليون دولار أمريكي أغانيهم بسبع عشرة لغةً مختلفة، وهو ضعف ما كان عليه هذا العدد في 2017. وحققت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نمواً قياسياً في عائدات الموسيقى، مما وضعها على رأس صناعة الموسيقى في العالم.

حاورت مجلة الويبوحاورت مجلة الويبو السيد عماد الدين مسدوا، مدير الشؤون الحكومية لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة سبوتيفاي، الذي فسّر لنا العوامل الرئيسية لهذا النمو وكشف لنا عن "الخلطة السحرية" التي تمكن سبوتيفاي من الارتقاء بالمشهد الموسيقي والفنانين من المحلية إلى العالمية.

عماد الدين مسدوا يرتدي سترة بدلة داكنة وقميصاً أبيض ونظارة وينظر مباشرة إلى الكاميرا على خلفية رمادية فاتحة سادة.
سبوتيفاي
عماد الدين مسدوا

أنت محلل سياسي سابق وتعتبر نفسك من مساندي حركة الوحدة الأفريقية. فما الذي جذبك إلى سبوتيفاي؟

أعتبر عملي في سبوتيفاي وظيفة الأحلام لأنها تمزج بين العديد من الأشياء المهمة بالنسبة لي. فأنا من مستخدمي خدمات سبوتيفاي القدماء وطالما شعرت برابط قوي يجمعني بالموسيقى والفنون والمسائل السياسية المرتبطة بالثقافة والهوية. أنا جزائري الأصل، وهو بلدٌ على الحدود الفاصلة بين أفريقيا والشرق الأوسط. وكشخص عاش في كل من المنطقتين، أوقَدَ هذا فيّ رغبةً في مدّ الجسور بين الثقافتين وإعلاء الأصوات المحلية. وأكثر ما يثير فيّ الحماسة في منصبي هو إمكانية دعم الصناعات الإبداعية في المناطق التي صقلت هويتي وكونتها.

تشهد صناعة الموسيقى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نمواً قياسياً رغم التحديات الاقتصادية. ما هو سبب هذه الطفرة المفاجئة؟

تُسعدني هذه الإحصائيات كثيراً. ولكن هذا النموّ ليس صدفةً على الإطلاق. فمنذ فترة طويلة، عملت مجموعة من العوامل المحفزة خلف الستار.

أولا، لا يمكننا التغاضي عن أساسيات تحقيق هذا النمو الهائل: سكّان المنطقة يافعون، متصلون ومتمرّسون رقمياً، وشديدو التفاعل مع الموسيقى المحلية والعالمية. هذه منطقة تنضح بالمواهب الإبداعية وبتزايد الطلب المحلي عليها.

وثانيا، لقد أحدثت منصات البث تحولاً جذرياً. فإذا تعمقنا أكثر في دراسة البيانات، سوف نرى أن جميع الإيرادات التي تدرها صناعة الموسيقى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مصدرها منصات البث التدفقي. نشهد موجة عاتية تحمل معها الفنانين بجميع فئاتهم وأنماطهم الموسيقية.

  • وسجلت إيرادات الموسيقى المُسجلة في العالم نمواً بنسبة 4.8% في عام 2024، لتصل إلى مبلغ 29.6 مليار دولار أمريكي.

  • وتهيمن عائدات البث التدفقي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تستحوذ على حصة هائلة من السوق تبلغ 99.5%.

  • يتميز مستخدمو خدمات البث التدفقي للموسيقى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأعلى المستويات عالمياً من حيث الوقت الإجمالي للاستماع، بمتوسط 27 ساعة أسبوعياً، وهو ما يفوق المتوسط العالمي بزهاء ستّ ساعات.

أما المحفز الثالث، والذي تنفرد به منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هو التزايد الكبير في استثمار الحكومات في مجال الصناعات الإبداعية خلال السنوات القليلة الماضية. ففي أسواق من قبيل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تضخ البرامج الحكومية مليارات الدولارات في مختلف مكونات الاقتصاد الإبداعي، بما في ذلك البنية التحتية التي تعزز نموّ الفنانين وتمكنهم من إحياء الجولات الموسيقية وتسجيل موسيقاهم وعرضها. ويساهم هذا في توسّع صناعة الموسيقى بسرعة فائقة.

وسأختم جوابي بدورنا نحن على وجه الخصوص. فمنذ دخول سبوتيفاي إلى سوق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في نوفمبر 2018، ركزنا بشكل كبير على ما نسميه استراتيجية التخصيص والتنسيق لدينا، وذلك لنضمن إبراز الفنانين المحليين على المستوى المحلي فحسب، وكذلك على الساحة العالمية.

ما هي طبيعة النقاشات التي يجريها سبوتيفاي مع المسؤولين بشأن التمويل الحكومي؟

يشمل دوري تغطية مجموعة واسعة من المسائل التي تؤثر على أعمالنا وعلى الصناعات الإبداعية والمبدعين بشكل عام. ومهمتي هي أن أتأكد من أننا نخوض حواراً بناءً ومستمراً مع الحكومات لوضع جهاز تنظيمي يكون بيئة خصبة تزدهر فيها الثقافة.

ولا نهاية للمواضيع المطروحة للنقاش في أي وقت من الأوقات. وأحدها هو موضوع تعديل قوانين حق المؤلف. وفعلاً، بدأت الحكومات في أرجاء المنطقة بتحديث قوانينها الوطنية لضمان أن تعكس الواقع الجديد لنظام صناعة الموسيقى والتطور الذي طرأ على النظام الإيكولوجي الرقمي.

وقد لاحظنا بعض الثغرات في هذه المناطق من حيث اعتماد معاهدات الويبو، من قبيل معاهدة الويبو بشأن حق المؤلف أو معاهدة الويبو بشأن الأداء والتسجيل الصوتي التي تمثل الأساس الذي بنيت عليه صناعة الموسيقى الرقمية. ونحاول من خلال محادثاتنا مع المسؤولين الحكوميين التشجيع على اعتماد إصلاحات عملية وسهلة التطبيق، تتوافق مع أفضل الممارسات الدولية ومعاهدات حق المؤلف في قطاع الموسيقى.

كما نناقش أيضاً مجموعة من المسائل المجاورة للإصلاحات في مجال حق المؤلف أو المنبثقة عنه، بما في ذلك كل ما يتعلق بالبيانات الوصفية وتحسين أنظمة الشفافية والإبلاغ، مما يسهل في نهاية المطاف جمع وتوزيع الإتاوات في مجال نشر الموسيقى وغيره من المجالات. وهذا الشطر الأول من المسائل المطروحة.

أما الشطر الثاني، فهو ما أصفه بالمسائل التشغيلية في المنطقة للمنصات من قبيل منصتنا. وعلى وجه التحديد، أقصد أنظمة الترخيص للمنصات ومسائل الضرائب وغيرها من القوانين في قطاع التكنولوجيا. نسعى إلى التشجيع على اتسام القوانين بالمرونة، وتحسين فهم نموذج الأعمال الفريد لمنصات البث التدفقي الرقمي.

يكشف "Loud & Clear" وهو تقرير لشركة سبوتيفاي أن بعض الفنانين يتلقون إتاوات من الخارج أكثر مما يتلقونه من بلدانهم الأصلية. ما السبب في ذلك برأيك؟

أحد مزايا سبوتيفاي هو أنها منصة عالمية. حسب الإحصاءات، يستخدم شخص من أصل كل 13 شخصاً في العالم منصتنا. ويمكن هذا الفنانين المحليين من النفاذ إلى المستخدمين في كل أنحاء العالم. تُظهر أرقام عائداتنا للربع الأول من 2025 أن منصتنا تعُدّ 268 مليون مشترك بمقابل و678 مليون مستخدم نشط شهرياً، مع نسبة نمو تقدر بـ 10% سنوياً.

وفي الوقت نفسه، تُحمّل إلى منصتنا أعداد هائلة من الأغاني كل يوم، ما قد يصعّب الوصول إلى الجماهير العالمية. وتؤدي سياسة التخصيص التي نعتمدها محلياً دوراً هاماً في ضمان جني الفنانين لثمار هذا المد المتزايد. ويهيئ هذا، إلى جانب المبادرات الأخرى، فرصاً جديدة للفنانين لتوسيع قواعدهم الجماهيرية.

وهذا جليّ في أحدث الأرقام المدرجة في تقرير"Loud & Clear" فإذا نظرنا مثلاً إلى الإتاوات التي دفعها سبوتيفاي محلياً لصناعة الموسيقى في نيجيريا عام 2024، فسنجد أنها قد بلغت 58 مليار نيرة نيجيرية (أو حوالي 36 مليون دولار أمريكي). وهذا ضعف المبلغ المدفوع في 2023. وفي جنوب إفريقيا، دفعنا زهاء 400 مليون راند جنوب إفريقي (حوالي 21 مليون دولار أمريكي) في عام 2024، وهو ضعف ما دفعناه في عام 2022. وقد تحقق جزء كبير من هذه الإيرادات بفضل مستمعين من خارج الأسواق المحلية للفنانين المعنيين، مما يثبت أنه حين تحقق المواهب المحلية انتشاراً عالمياً، يمكن أن يكون التأثير ملموساً من الناحية الاقتصادية.

لنناقش الآن استراتيجية سبوتيفاي للتخصيص والتنسيق التي ذكرتها سابقاً.

إن اكتشاف المحتوى وتخصيصه لكل مستخدم هما جوهر خلطتنا السرية في سبوتيفاي. فلا تتشابه تجربتان لمستخدمَين مختلفَين على منصتنا، وهذا بفضل سياستنا لتصميم تجربة مخصصة لكل مستخدم. ويُعزى الفضل الأكبر في ذلك إلى الخوارزميات المتطورة، لكن جزءاً كبيراً من الأمر يعود أيضاً إلى التنسيق البشري.

لدينا محررون مختصون في تنسيق الموسيقى ذوو مواهب فذة في جميع أصقاع الأرض، يتمتعون بفهم عميق بالمجالات التي يعملون عليها. فالموسيقى بمثابة الهواء الذي يتنفسونه، وهم على دراية تامة وإلمام بكل ما سبق وأنتجه الفنانون، لا بل وحتى ما يعتزمون إصداره مستقبلاً. ودور هؤلاء المحررين محوري لأنهم يبقون على اتصال وثيق بالمنظومة الموسيقية المحلية من خلال نسج العلاقات المقربة من الفنانين وفرق عملهم والصناعة عموماً.

هل يمكنك إعطاء مثال على كيفية تطبيق ذلك على أرض الواقع؟

نحن نشهد رواج أنواع موسيقية مثل موسيقى الأفروبيتس النيجيرية والأمابيانو من جنوب إفريقيا على مستوى العالم. ويضع المحررون في سبوتيفاي قائمة أغانٍ من هذه الأنواع الموسيقية على منصتنا. وتلعب هذه القوائم دوراً رئيسياً في تسليط الضوء على هذه الأنواع الموسيقية ومساعدة الفنانين في الوصول إلى جمهور جديد حول العالم. بعد ذلك، تساعد برا����ج سبوتيفاي لتنسيق الموسيقى مثل Radar Africa الفنانين الصاعدين من خلال الدعم على المنصة والتسويق خارجها. وقد أبرزت قائمة الأغاني Radar Africa نجوماً مثل Tems وTyla وAyra Starr عندما كانوا في بداية مسيرتهم الفنية.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تزدهر أيضاً الساحة الموسيقية المحلية، سواء كان ذلك على صعيد موسيقى الراب في المغرب أو مصر، أو موسيقى البوب والأنغام الخليجية في بلاد الشام والخليج. ويتجلى انتشار هذه الأنواع الموسيقية في قوائم الأغاني الرئيسية مثل Melouk El Scene، وYalla وAbatera. كما تسلط برامج التنسيق مثل Equal Arabia الضوء على فنانات مثل أصالة نصري وبلقيس وأنغام لتوسيع قاعدتهن الجماهيرية محلياً وعالمياً.

يبدو هذا الأمر أشبه بمنسقي الأغاني الإذاعية الحديثة، ولكن باستخدام البيانات. فكيف يساعد نموذجكم الفنانين بصفة مباشرة؟

ليس بالضبط. على عكس الراديو، لا يعتمد سبوتيفاي على الاستماع السلبي. فمستخدمونا يختارون بأنفسهم ما يريدون سماعه. وهذا يعطينا صورة أوضح بكثير عما يتواصل معه الناس فعلياً. وهنا يكمن الفارق الكبير. يوفر سبوتيفاي أيضاً للفنانين الأدوات التي تمكنهم من تولي مسؤولية تطوير مسيرتهم الموسيقية.

لدينا منصة تسمى Spotify for Artists، والتي تسمح للفنانين بتحميل مقاطع ترويجية ولكن الأهم من ذلك هو مراقبة البيانات المتعلقة بعدد المستمعين. إذ يمكنهم التواصل مع معجبيهم ومعرفة أماكن تواجد مستمعيهم ومدة استماعهم والأداء الذي تحققه أغانيهم بصورة فورية. ويمنح هذا النوع من البيانات الفنانين وفرق عملهم القدرة على التطور المدروس في مسيرتهم، وهو أمر لا يمكن للراديو تقديمه.

ماذا يخبأ المستقبل لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ وهل من اقتراح لفنان أو فنانين ينبغي لنا اكتشافهم؟

أنا مقتنع بأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقارة الأفريقية ككل ستستمر في تشكيل الثقافة الموسيقية العالمية. لا يمكنني التعبير عن مدى حماسي لرؤية فنانين من هذه المنطقة يتحولون إلى أسماء عالمية مألوفة، سواء كان ذلك من خلال أداء Tyla وAmaarae في مهرجان Coachella، أو من خلال اقتحام الفنان السعودي مشعل تامر لقوائم الأغاني العالمية في أمريكا اللاتينية.

لقد ذهبت هذا العام لحضور حفل فرقة Coldplay في أبو ظبي. وكانت إليانا، وهي فنانة تشيلية فلسطينية، قد اختيرت لتكون العرض الافتتاحي لجولتهم العالمية. وفي مثل هذه المواقف، لنا أن نأخذ مهلة لتقدير مدى روعة هذه اللحظات.

أبذل قصارى جهدي لأتابع عن كثب الفنانين الجدد من المنطقة، ولكن إذا أردت أن تكتشف بنفسك الموجة التالية من المواهب البارزة، ابدأ بقوائم أغاني Radar Arabia أو Radar Africa. إن الإبداع المنبثق من قوائم الأغاني التي ذكرتها إبداع من الطراز العالمي ويستحق أن تعطيه من وقتك لاكتشافه. أعتقد أن المستقبل سيكون مشرقاً حقاً.

ما يجري في منطقتنا يدل على أن الموسيقى أكثر من مجرد ترفيه. فهي تغذي النمو الاقتصادي وتخلق فرص العمل وتحول الصناعات المحلية إلى قوى عالمية. كما أنها خير مثال على ما يسمى "بالقوة الناعمة"، فهي تربط بين الشعوب والثقافات في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة إلى ذلك. أنا متحمس جداً للمساهمة في تحقيق ذلك من خلال وظيفتي في سبوتيفاي، حتى لو كانت مساهمتي متواضعة.

هذه المقابلة هي نتيجة تحرير واختصار لمحادثتين. تجدون أحدث المقالات التي تركز على الموسيقى في هذا الإصدار الخاص من مجلة الويبو