يلعب الفاحصون دوراً حاسماً في نظام الملكية الفكرية، إذ يقيّمون إمكانية منح البراءات والعلامات التجارية والمؤشرات الجغرافية وطلبات التصميم الصناعي، ويحرصون على الالتزام بالشروط المنصوص عليها في القوانين والاتفاقيات الدولية. وكل عام، يراجعون ويبحثون ويبتّون في أكثر من 20 مليون طلب براءة. ولكن تتجاوز مهام أغلبهم أكثر من ذلك بكثير.
ونظراً لأن معظم مهام فاحصي الملكية الفكرية سرية وتقنية، فقد يكون فهمها خاطئاً في بعض الأحيان. لذلك، ولمعرفة المزيد عن طبيعة عملهم الفعلي، التقت مجلة الويبو فاحصين من خمسة مكاتب للملكية الفكرية - من أربع قارات - لمناقشة دورهم في نظام الملكية الفكرية وكيفية يتطور دور الفاحص.
دور فاحص الملكية الفكرية
تتمثل المهمة الأساسية لفاحصي الملكية الفكرية في ضمان منح حقوق الملكية الفكرية حيثما كان ذلك مستحقاً وتفسير القانون بشكل عادل. وهذه مسؤولية كبيرة، كما توضح سايما كانوال، فاحصة براءات في باكستان: "وظيفتي هي منح الحماية الواجبة والمستحقة، وحماية المجال العام من خلال تجنب الاحتكارات غير الضرورية في السوق."
بالنسبة للمكاتب التي تقوم بالفحص الموضوعي لطلبات البراءات، فإن ذلك يعني الجمع بين خبرة الفاحص وأحدث الأدوات للبتّ فيما إذا كان الاختراع موضوع الطلب جديداً وغير بديهي، ويستوفي المعايير الأخرى التي تخوله الحصول على براءة.
”نحن محظوظون لأننا نتعلم عن الابتكارات قبل نشرها.“
في حالة العلامات التجارية، يعني ذلك تقييم ما إذا كانت العلامة مميزة وما إذا كانت تؤثر على حقوق الأطراف الثالثة. آنا إيزابيل فارونا غوزمان هي فاحصة للعلامات التجارية الجماعية في كولومبيا. تقول: "لقد تعلمت أن تكون لديّ عين ناقدة"، "على سبيل المثال، لمعرفة ما إذا كانت العلامات التجارية مثيرة للالتباس أو ما إذا كانت العلامة التي يريد شخص ما حمايتها كعلامة تجارية قد تؤثر على حقوق أطراف ثالثة أو تسمية منشأ."
وحتى في المكاتب التي تجري فحوصاً شكلية فقط ولا تجري فحصاً موضوعياً لتحديد الجدة والخطوة الابتكارية وغيرها من المعايير، فإن للفاحصين دوراً هاماً يقومون به. تقول إينو-أوبونج أوسين، كبيرة فاحصي البراءات في مكتب البراءات التابع لسجل العلامات التجارية والبراءات والتصاميم في نيجيريا: "لا يعني الفحص الشكلي أننا نفتح الباب لقبول كل شيء. نحن نبحث في هذه المستندات ثم نتواصل مع مقدمي الطلبات. ونخبرهم بالمزيد عن الملكية الفكرية ومن ثم نساعد أولئك الذين لا يعرفون كيفية إعداد وتقديم طلباتهم."
يتطلب الكثير من عمل الفاحصين قدراً كبيراً من الفضول والدقة، فضلاً عن معرفة شاملة بالقانون. وتقول شيا وو، فاحصة التصميمات الصناعية في المكتب الكندي للملكية الفكرية: "نبحث في كل الأشياء، ونجري الكثير من الأبحاث. لحسن الحظ، لا نقم بكل ذلك بمفردنا.
العمل الجماعي: لماذا يكمن الحل في التعاون
لا يعمل الفاحصون بشكل مستقل؛ فالتعاون أمر أساسي. بالنسبة إلى أوسين، تبدأ كل أسبوع باجتماع يعقد في الساعة 9 صباحاً يحضره جميع فاحصي البراءات الستة في المكتب النيجيري، حيث يراجعون الطلبات الجديدة ويقسمون العمل فيما بينهم. وتضيف أن فريقها يتواصل أيضاً مع فاحصي العلامات التجارية والتصاميم، حتى يتمكنوا من دعم مقدمي الطلبات الذين قد لا يكونون متأكدين من فئة الحقوق المناسبة لهم.
"إذا رأينا شيئاً لم نره من قبل، فإننا نشاركه مع الفريق."
مارغريتا ألونزو، وهي فاحصة براءات متخصصة في الموارد الوراثية والكيمياء الحيوية، وهي واحدة من فريق مكون من أربعة أفراد في قسم البراءات في وزارة الاقتصاد في غواتيمالا. تقول: "عادةً ما نتناقش عندما نقوم بإعداد تقارير لوزارة الصحة العامة أو وزارة الزراعة، لأننا نحتاج إلى القيام بذلك يومياً". "نريد أن نتأكد من أن المعلومات التي نشاركها صحيحة وأننا لا ننتهك حقوق أي شخص، ولكن علينا أيضًا أن نتأكد من أننا لا نعطي حقوقًا زائدة."
تقول وو عن فريقها في المكتب الكندي للملكية الفكرية: "نعقد اجتماعات منتظمة للفريق لتبادل المعلومات وأفضل الممارسات لضمان الاتساق والجودة في عملنا". "إذا رأينا شيئًا لم نره من قبل، فإننا نشاركه مع الفريق ونتوصل إلى نهج متسق للتعامل معه."
تدريب الأجيال اليوم والغد من فاحصي الملكية الفكرية
بالإضافة إلى واجباتهم المتعلقة بفحص الطلبات، يجب على الفاحصين أيضاً تكريس وقتهم لتدريب وتوجيه المبتدئين، الذين بدونهم لا يمكن لهذا العمل أن يتواصل.
ففي كندا، على سبيل المثال، هناك برنامج تدريبي لكل دفعة جديدة من الفاحصين. تقول وو، التي حصلت على جائزة المدير العام للاستحقاق عن عملها في التدريب والتوجيه: "طوال 18 عامًا من عملي هنا، قمت بتدريب عدد لا يستهان به من المتدربين. "لكن البرنامج تطور على مر السنين. فهم اليوم يتلقون عدة أسابيع من التدريب خلال الفصل الدراسي حيث يحيط المتدربون علماً بالتشريعات، تليها عدة أشهر من التدريب والتوجيه من كبار الفاحصين."
تستفيد العديد من المكاتب من التدريب الخارجي من أكاديمية الويبو،بالإضافة إلى مكاتب الملكية الفكرية الأخرى وأهل الاختصاص. وتذكر كانوال أنها تلقت تدريباً لمدة 15 يوماً في بداية حياتها المهنية في باكستان على يد فاحصين من مكتب الملكية الفكرية في أستراليا، بالإضافة إلى تدريب حديث العهد من مكتب البراءات والعلامات التجارية الدنماركي، ركز على التكنولوجيا الحيوية. كما تشيد بـ"التدريب المخصص والمركّز" الذي قدمه أحد أعضاء شعبة التعاون الدولي في معاهدة التعاون بشأن البراءات التابعة للويبو.
وفي غواتيمالا، تسلط ألونزو الضوء على التدريب على التعلم الإلكتروني الذي تقدمه أكاديمية الويبو، من بين أمور أخرى، والذي استفادت منه العديد من مكاتب الملكية الفكرية في أمريكا اللاتينية. في نيجيريا، تشير أوسين إلى التدريب الذي يقدمه فاحصون من اليابان والصين والولايات المتحدة، وكذلك من المكتب الأوروبي للبراءات والويبو. وتضيف: "أعتقد أن دورات التعلم الإلكترونية تساهم كثيراً في ذلك"، وأردفت: "لقد جعلناها إجبارية للفاحصين الأصغر سناً، حتى يكون لديهم معرفة كاملة بما يستلزمه العمل."
الفاحصون المبتدئون ليسوا الوحيدين الذين يستفيدون من التدريب. إن التدريب المستمر مهم للفاحصين على جميع المستويات لأنه في حين أن أساسيات دورهم ظلت ثابتة، إلا أن عملهم اليومي قد تغير على مدى العقدين الماضيين، ويرجع ذلك جزئياً إلى التقنيات الجديدة وجزئياً إلى الإصلاحات القانونية.
بالنسبة لألونزو، كانت أكبر التغييرات هي اعتماد قاعدة بيانات PATENTSCOPE وانضمام غواتيمالا إلى معاهدة التعاون بشأن البراءات في عام 2006. أما في مجال التكنولوجيا الحيوية، فتقول إن التغيير الكبير المقبل في مجال التكنولوجيا الحيوية هو تنفيذ معاهدة الملكية الفكرية والموارد الوراثية والمعارف التقليدية المرتبطة بها التي أبرمت العام الماضي.
في نيجيريا، تقول أوسين إن عدد طلبات البراءات في البلاد قد ارتفع من حوالي 500 طلب سنويًا في عام 2006 إلى أكثر من 2000 طلب سنويًا حالياً. ولمجاراة عبء العمل، اضطر الفاحصون إلى اللجوء إلى الحوسبة والأدوات الإلكترونية الجديدة، والتي يتطلب الكثير منها تدريباً إضافياً.
بالنسبة لفاحصي التصاميم، لم تؤد التكنولوجيا إلى تحسين قدرتهم على البحث عن التقنيات السابقة فحسب، بل ساهمت أيضًا في تسريع عملية الفحص – وبالنسبة للعديد من المصممين ذوي المنتجات قصيرة العمر، فإن السرعة أمر بالغ الأهمية. وتقول وو: "منذ سنوات عديدة مضت كنا نتعامل مع الملفات الورقية، وبالنسبة للطلبات التي تحتوي على 300 رسم، كنا نفرش الصفحات على الطاولة الكبيرة في غرفة الاجتماعات. اليوم، يتم تقديم الطلبات وإرسال الردود إلكترونيًا، وتتم الأمور بشكل فوري. "لقد قلل ذلك من الوقت المستغرق في إنجاز العمل كثيرًا."
إمكانية الوصول: تعزيز الملكية الفكرية للجميع
بالإضافة إلى فحص الطلبات والتدريب، غالباً ما يعمل فاحصو الملكية الفكرية على تعزيز الوعي بنظام الملكية الفكرية وجعله في متناول مختلف الفئات.
في نيجيريا، ساعد فاحصو البراءات في بناء القدرات في الجامعات من خلال إنشاء مراكز دعم التكنولوجيا والابتكار،وهم يجتمعون مرة واحدة شهرياً لمناقشة التوعية ومراجعة النتائج. وتقول أوسين: "نحن نتحدث إلى بعض الجامعات التي تغيب الملكية الفكرية تماماً عن مناهجها الدراسية في كليات الحقوق التابعة لها. "نساعد أيضاً في إنشاء نوادي الملكية الفكرية في مختلف الجامعات. والهدف من ذلك هو تقديم المعرفة لمجتمع التعليم العالي وجعل المزيد من المحامين يدرسون الملكية الفكرية كمادة اختيارية في مقرراتهم، مع تثقيف طلاب العلوم والهندسة عن الملكية الفكرية."
"إن الملكية الفكرية لا تتعلق فقط بحماية حقوق الشركات متعددة الجنسيات ولكن أيضاً بدعم المخترعين المحليين."
قادت كانوال مشاريع لتأسيس 48 مركزاً لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في باكستان وعملت على إنشاء منصة للنساء المخترعات. وتقول: "لدينا خط مساعدة مخصص لرائدات الأعمال والمخترعات، ونوفر لهن الإرشاد من خلال تلك المنصة". "بدلاً من مجرد الجلوس في المكتب، أتفاعل الآن مع الشركاء وأصحاب المصلحة الدوليين. التوعية والترويج من بين مسؤوليات جميع فاحصي البراءات في مكتبي."
ومن إنجازاتها أيضاً كتابة إطار عمل عن تعزيز جهود الملكية الفكرية والتسويق التجاري لمؤسسات التعليم العالي في باكستان. وقد ساهم هذا الجهد في زيادة طلبات بالراءات الوطنية في باكستان من 20 إلى حوالي 50 في المائة. وتقول كانوال: "من خلال مشاريع مثل برنامج مساعدة المخترعين، يمكننا أن نمد لهم يد العون ونقدم لهم الإرشاد الفردي"، وتؤكد كانوال أن الوعي المتزايد يبين أن نظام البراءات "لا يقتصر على حماية حقوق الشركات متعددة الجنسيات فحسب، بل يدعم المخترعين ورواد الأعمال المحليين كذلك".
وفي غواتيمالا، لدى ألونزو اهتمام خاص بالوصول إلى الموارد الوراثية المحلية والملكية الفكرية. "لقد جئت من منطقة تتميز بالتنوع وتتفاعل فيها الكثير من الأنواع البيولوجية مع ثقافة المايا." وتوضح أنها تعلمت أهمية الموارد الوراثية والمعارف التقليدية من خلال العلاجات الطبيعية لجدتها.
حماية التراث والمجتمع من خلال حقوق الملكية الفكرية
يتزايد الوعي بحماية التراث المحلي وتأثيره على المجتمعات المحلية. خلال جائحة كوفيد-19، ساعدت ألونزو في إنشاء الفرع الغواتيمالي لمنظمة المرأة في العلوم من أجل العالم النامي،حيث تواصلت مع العلماء في المهجر. وتدير المنظمة فعاليات مجانية للترويج للعلوم والتحدث إلى الفتيات في جميع أنحاء البلاد. وتقول: "أعلم أنني محظوظة ولكنني لا أريد أن أكون الاستثناء". "أريد أن تحصل كل فتاة، أو على الأقل المزيد من الفتيات، على الفرص التي أتيحت لي للذهاب إلى الجامعة ودراسة مواد العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات." كما ساعدت نساء الشعوب الأصلية على استكشاف كيفية حماية المنسوجات.
تخصصت فارونا غوزمان في العلامات التجارية الجماعية وحقوق التصديق وتسميات المنشأ، وعملت عن كثب مع المجتمعات المحلية في كولومبيا. وتقول: "لقد تضمن جزء من عملي زيادة الوعي بين المجتمعات المحلية وتعليمهم أدوات مفيدة لحماية منتجاتهم أو خدماتهم". "كما أنه ينطوي أيضًا على قراءة مستفيضة واتصالات مع الوكالات الحكومية الأخرى بشأن المسائل الفنية التي لا أملك القدرة على التعامل معها وفهمها كمحامية."
على مدى السنوات الـثلاثة عشر الماضية، شهدت فارونا غوزمان تحسنًا في الأحكام القانونية وإمكانية الوصول إليها، بالإضافة إلى تطور حماية المنتجات الزراعية والمجتمعية. "لعملنا قيمة مضافة على منتجات لم تكن معروفة جيداً، إذ أنها لم تكن تحظى بالقدر الكافي من التقدير حتى حصلت على جائزة تسمية المنشأ على سبيل المثال. لقد ساعدنا أيضاً المجتمعات المحلية على فهم أنها تملك حقاً من حقوقها ولكن يأتي ذلك أيضاً بالعديد من المسؤوليات."
جني فوائد فحص الملكية الفكرية
يستمر عمل الفاحصين في التطور بما يتماشى مع التقنيات المبتكرة واتجاهات الأعمال الناشئة والتغيرات القانونية. تضمن هذه المراجعات أن تظل أدوارهم ذات صلة بالموضوع، وأن يستمروا في مواجهة تحديات وقرارات مثيرة للاهتمام أثناء عملهم على الحفاظ على سلامة نظام الملكية الفكرية. إن مزايا عملهم كثيرة ومتنوعة، ليس فقط لمقدمي الطلبات بل للفاحصين أنفسهم.
بالنسبة إلى وو، تشمل الفوائد رؤية التصاميم التي فحصتها في المتاجر. بالنسبة إلى كانوال، كان سماعها أن اللقاحات التي فحصتها أثناء جائحة كوفيد-19، قد أنقذت فعلاً عديد الأرواح.
وتقول: "لقد كان من المفيد حقًا أن أشعر بأنني ساهمت قليلاً في معالجة هذه المطالب قبل أن تنزل إلى السوق". وتقول ألونزو: "أعتقد أننا متميزون لأننا نتعلم عن الابتكار قبل نشره". "ولكن تقع على عاتقكنا أيضاً مسؤولية تشجيع نظام الابتكار."
ولهذا السبب، وعلى الرغم من أن العديد من الفاحصين لم يخططوا للعمل في مجال الملكية الفكرية، إلا أنهم اليوم يجدون عملهم مُرضياً ومجزياً. وكما تقول أوسين، كفاحصين، فنحن نتعلم دائماً شيئاً جديداً. "كما سمعت أحد المحاضرين يقول ذات مرة: الملكية الفكرية مثل الشعلة. كلما اقتربت منها، كلما أحسست بدفئها."
الاحتفال بفاحصي الملكية الفكرية وتمكينهم أُطلق المشروع في يناير 2025 وتُوِّج بالاحتفال بفاحصي الملكية الفكرية طوال شهر نوفمبر 2025. كان جميع من تمت مقابلتهم جزءًا من معرض صانعي التغيير وتم ترشيحهم من قبل مكاتب الملكية الفكرية الوطنية.