قام السيد دارين تانغ، المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، بزيارة رسمية إلى الجزائر في الفترة من 2 إلى 5 سبتمبر 2025. وشكّلت تلك الزيارة خطوة حاسمة في تعزيز التعاون بين الجزائر وتلك الوكالة المتخصصة التابعة للأمم المتحدة. وأتاحت للمدير العام للويبو فرصة الالتقاء بسعادة السيد سيفي غريب، رئيس الوزراء بالنيابة، والعديد من أعضاء الحكومة، والاطلاع بشكل مباشر على التقدم الكبير الذي أحرزه البلد في مجال الابتكار والإبداع.
وتعكس تلك اللقاءات الرفيعة المستوى الرغبة المشتركة في تعميق التعاون، وشملت لقاءات مع:
- السيد أحمد عطاف، وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الأفريقية؛
- والسيد كمال بداري، وزير التعليم العالي والبحث العلمي؛
- والسيد زهير بلالو، وزير الثقافة والفنون؛
- والسيد نور الدين واضح، وزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة.
شراكة في خدمة الابتكار
وأتاحت تلك اللقاءات للمدير العام للويبو فرصة التعرف على مختلف جوانب السياسة الوطنية في مجال الابتكار والإبداع. وعرض المسؤولون الجزائريون الجهود المبذولة من أجل تشجيع البحث وتثمين النتائج العلمية ودعم المؤسسات الناشئة والنهوض بثقافة الابتكار، وأكّدوا بذلك التزام البلد بتطوير نظام إيكولوجي ابتكاري وتنافسي.
ولاحظ المدير العام من ذلك أن الجزائر قد وضعت سياسات طموحة تهدف إلى تعزيز البحث العلمي وتشجيع ريادة الأعمال الابتكارية وتطوير البنى التحتية التكنولوجية. ومن المبادرات ذات الصلة إنشاء أقطاب تكنولوجية، ودعم المؤسسات الناشئة، فضلاً عن برامج التدريب والتعاون بين الجامعات والمؤسسات. وبالإضافة إلى ذلك، تستثمر الحكومة في رقمنة الخدمات العامة والنهوض بالقطاعات ذات القيمة المضافة العالية، بهدف بناء اقتصاد يتسم بمزيد من الديناميكية والقدرة على التكيّف والتطلّع إلى المستقبل.
وأكّد السيد دارين تانغ للحكومة الجزائرية استعداد المنظمة التام لمرافقة ودعم الجهود التي تبذلها الجزائر من أجل بناء اقتصاد قائم على المعرفة وتنويع مصادر نموها.
وشدّد في هذا الصدد على أهمية المشروع الجاري لإعداد استراتيجية وطنية في مجال الملكية الفكرية،وذكّر بأن تلك الاستراتيجية ستتيح، في سياق الانتقال إلى اقتصاد قائم على المعرفة، إمكانية الاستفادة بفعالية أكبر من نظام الملكية الفكرية ، وتثمين نتائج البحث وجذب الاستثمارات الأجنبية.
تثمين المنتجات المحلية
أتاحت الزيارة للمدير العام أيضاً فرصة الالتقاء بأصحاب المشاريع التي تدعمها الويبو في الجزائر، ومنها عسل ششار، وزرابي بابار وغرداية، وتمر دقلة نور طولقة. وتلك المنتجات، التي تنبع من معرفة تقليدية متوارثة عبر الأجيال ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمنطقة جغرافية محدّدة، تستمد أصالتها وسمعتها من صلتها بالمنطقة المعنية. وبفضل الاستخدام الاستراتيجي لأدوات الملكية الفكرية، مثل العلامات الجماعية أو المؤشرات الجغرافية، يمكن للمنتجين رفع القيمة المضافة لمنتجاتهم وحمايتها من التقليد وضمان أصالتها والحفاظ على تراثهم الثقافي. ويُظهر هذا الاستخدام الاستراتيجي أن الملكية الفكرية ليست مفهوماً غامضاً، بل أداة يمكنها الإسهام بشكل ملموس في تحسين حياة الناس وتحقيق التنمية المحلية. وبالإضافة إلى ذلك، تدعم الويبمه هؤلاء المنتجين من خلال استراتيجية تسويقية مصمّمة خصيصاً لكل منهم من أجل تعزيز ثقة المستهلكين وزيادة قدرتهم التنافسية في الأسواق.
النهوض بالصناعات الثقافية والإبداعية
أتيحت للمدير العام أيضاً فرصة الالتقاء بالمستفيدين من ”مبادرة ART“، الذي أُطلِق العام الماضي بالاشتراك مع وزارة الثقافة والديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة (ONDA)، والذي يهدف إلى دعم وتعزيز الصناعات الثقافية والإبداعية في الجزائر.
وخلال ذلك اللقاء، أبرز أصحاب المشاريع ثراء القطاع الإبداعي في الجزائر وإمكاناته، مع التأكيد على التزامهم بتثمين التراث الثقافي الجزائري من خلال مبادرات ابتكارية، وعلى أهمية الملكية الفكرية باعتبارها أداة داعمة للتنمية الاقتصادية والثقافية.
القطب العلمي
وشمل برنامج المدير العام للويبو كذلك زيارة إلى جامعة العلوم والتكنولوجيا - هواري بومدين، حيث تحاور وتبادل الآراء مع باحثين وأصحاب مشاريع ابتكارية. ومن خلال عروض واضحة ومقنعة، تمكّن هؤلاء الفاعلون في مجال الابتكار من إبراز جودة أفكارهم الابتكارية والإمكانات الهائلة للجزائر في مجال البحث والإبداع. وتسعى تلك الجامعة إلى تشجيع الإنتاج العلمي من خلال مختبراتها ومشاريعها البحثية وشراكاتها مع القطاع الاجتماعي والاقتصادي، وتلعب دوراً محورياً باعتبارها قطباً علمياً في تطوير المعرفة ونشرها.
أداة داعمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
وكانت الزيارة فرصة لتدشين مكتب الويبو الخارجي في الجزائر العاصمة - وهو الأول من نوعه في العالم العربي وأفريقيا - والذي يضع الجزائر في صميم الديناميكيات المتعلقة بالإبداع والابتكار وتثمين المعرفة. وسيكون هذا المكتب الخارجي، الذي يكتسي أهمية استراتيجية ورمزية كبيرة، بمثابة منصة لدعم المؤسسات المختصة والباحثين والمبتكرين والمبدعين ورواد الأعمال، من أجل تحويل الملكية الفكرية إلى أداة داعمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ومن خلال توفير امكانية النفاذ المباشر إلى أدوات الويبو وخدماتها، سيساهم المكتب في تسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة:
- الهدف 4، من خلال تعزيز القدرات في مجال التعليم العالي والبحث العلمي؛
- الهدفان 8 و9، من خلال تثمين الابتكار ودعم رواد الأعمال وخلق فرص عمل لأصحاب الكفاءات؛
- الهدفان 11 و 16، من خلال المساهمة في حماية التراث الثقافي وتثمينه؛
- وبشكل أعم، الهدف 17، من خلال تدعيم الشراكات الدولية.
وبفضل ذلك المقر الجديد، تقترب الجزائر أكثر من خدمات الويبو ومواردها، وتصبح بذلك أكثر جاهزيةً لتحويل الملكية الفكرية إلى أداة داعمة للتنويع الاقتصادي والقدرة على التكيّف والإدماج الاجتماعي. وبذلك، تعزّز أسس نظام إيكولوجي يتسم بقدر أكبر من القدرة على التكيّف والشمولية والتوجه نحو المستقبل.