دعم الابتكار: كيف تدفع الحوافز عملية نقل التكنولوجيا لصالح قطاع الصحة العالمية - الجزء 2
10 ديسمبر 2024
في القسم الأول من هذه القصة المكونة من جزأين، تناولنا بالتفصيل رحلة تطوير لقاح غارداسيل ضد فيروس الورم الحليمي البشري كإنجاز كبير ساهمت في تحقيقه الحوافز المالية وغير المالية. وشملت الحوافز المالية تمويل الأبحاث ودعم إدارة الملكية الفكرية، في حين أن الحوافز غير المالية كانت عبارة عن تقدير إنجازات الباحثين من خلال منحهم الجوائز والتكريمات. وقد شجعت هذه الحوافز الباحثين على التعاون والابتكار وتسويق أبحاثهم. في هذا الجزء الثاني من هذه السلسلة، سننظر في دور الحوافز المالية وغير المالية، والدور الذي تلعبه الويبو في تحفيز نقل التكنولوجيا لفائدة الصحة العالمية.
ويقدم دليل الويبو بشأن الحوافز في نقل التكنولوجيا رؤى قيمة وأدوات عملية لمساعدة الجامعات على تصميم وتنفيذ برامج حوافز ناجحة. ومن خلال فهم الدوافع والعوائق التي يواجهها الباحثون ومعالجتها، يمكن للمؤسسات تعزيز ثقافة الابتكار، مما يؤدي إلى زيادة تسويق البحوث ويعود بالنفع على المجتمع في نهاية المطاف.
دور الحوافز في تطوير لقاح غارداسيل
اشتمل تطوير وتسويق لقاح غارداسيل® على العديد من الحوافز المالية وغير المالية.
الحوافز المالية
تمويل الأبحاث: التمويل من مصادر مختلفة، بما في ذلك المنح الحكومية مثل تلك المقدمة من المجلس الوطني للصحة والبحوث الطبية (NHMRC) في أستراليا، والتي دعمت أبحاث البروفيسور فريزر من عام 1986 إلى عام 2022. وكانت هذه الأموال ضرورية لإجراء التجارب والأبحاث السريرية المكثفة اللازمة لطرح اللقاح في السوق.
الدعم في إدارة الملكية الفكرية والتسويق التجاري: كان لخبرة شركة يونيكويست في مجال حماية الملكية الفكرية والترخيص والتفاوض التجاري دور فعال في تطوير لقاح غارداسيل® من أنابيب المختبر إلى منتج جاهز للسوق. ومن خلال تقديم طلبات الحصول على براءة أولية لتقنية الجسيمات الشبيهة بالفيروسات في عام 1991، ضمنت شركة يونيكوست حماية الابتكار، مما وفر أساساً قانونياً متيناً لمنح المزيد من التراخيص لشركة سي إس إل المحدودة.
وقد منحت شركة سي إس إل المحدودة في وقت لاحق ترخيصاً من الباطن مقابل إتاوة إلى شركة ميرك وشركائه، مما يوضح كيف يمكن لحقوق الملكية الفكرية أن تسمح بالوصول إلى الابتكارات من خلال الترخيص ونقل التكنولوجيا. ومن خلال الحماية المحكمة للملكية الفكرية، والترخيص الاستراتيجي، وجهود التسويق التجاري، لم تكتفِ يونيكوست بالارتقاء بأبحاث جامعة كوينزلاند إلى مكانة دولية بارزة فحسب، بل حققت أيضاً مكاسب اقتصادية كبيرة من خلال اتفاقيات تقاسم الإيرادات. والأهم من ذلك، ساهمت هذه الجهود بشكل كبير في تعزيز الاستراتيجية العالمية للقضاء على سرطان عنق الرحم، والتي تهدف بحلول عام 2030 إلى تطعيم 90% من الفتيات في جميع أنحاء العالم ضد فيروس الورم الحليمي البشري بالكامل قبل سن 15 عاماً.
الحوافز غير المالية
الجوائز والأوسمة: حصل البروفيسور فريزر على لقب أفضل أسترالي لعام 2006، كما حصل كل من البروفيسور فريزر والدكتور تشو على الجائزة الشعبية في مسابقة المخترع الأوروبي لعام 2015 التي يقدمها المكتب الأوروبي للبراءات. بالإضافة إلى ذلك، فاز الدكتور هارالد زور هاوزن بجائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء لعام 2008 لاكتشافه أن فيروس الورم الحليمي البشري يمكن أن يسبب سرطان عنق الرحم.
لا تقتصر الجوائز على الاحتفاء بالإنجازات الفردية والجماعية فحسب، بل تجذب كذلك المزيد من الاستثمارات والمواهب البحثية من الدرجة الأولى، مما يضمن تدفق الخبرات بشكل مستمر.
تجسّد قصة غارداسيل® مثالاً على الكيفية التي تدفع بها الحوافز حسنة التنظيم الباحثين إلى نقل التكنولوجيا بنجاح. وقد لعبت كل من الحوافز المالية وغير المالية دوراً حاسماً في تيسير البحث الأولي والتسويق التجاري مع ضمان استمرار الابتكار والتعاون. يؤكد هذا الإنجاز المزدوج للنجاح المالي وتحسين الصحة العامة على الدور الحاسم لدعم الباحثين بالأدوات اللازمة للاستفادة من المعرفة العلمية والملكية الفكرية، وتحويل الأفكار المبتكرة إلى أعمال ناجحة وحلول صحية مؤثرة.
لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع في تقديم الحوافز للباحثين في مجال نقل التكنولوجيا
يجب أن تتطابق الحوافز مع أهداف وقيم الأشخاص الذين تقدم لهم وأن تكون مصممة خصيصاً لطبيعة النظام الإيكولوجي الذي تطبق فيه.
في بعض النظم الإيكولوجية للابتكار، تمتلك الجامعات الموارد والشبكات اللازمة للاستفادة من الجهات الفاعلة الخارجية، مثل شركات الاستثمار في المراحل المبكرة ومستشاري الأعمال، لدعم أنشطة مثل تكوين الشركات المنبثقة، مما يسمح للجامعات بالتركيز على أنشطة أخرى.
وعلى العكس من ذلك، في النظم الإيكولوجية الأخرى، ينبغي للجامعات أن تتبنى نهجاً عملياً أكثر، بحيث تدعم المخترعين الأكاديميين خلال جميع مراحل تأسيس الشركات وتطويرها والاستثمار فيها. ويمكن أن يشمل هذا الدعم: إتاحة الوصول إلى مرافق الجامعة لأغراض البحث والتطوير وتقديم الخدمات القانونية للمساعدة في إنشاء المشاريع.
وتمهد الحوافز المذكورة الطريق لأنشطة ضرورية أخرى. على سبيل المثال، فإن توفير التعليم والدعم المتخصصين في مجال البراءات يزيل اللبس عن عمليات طلب الحماية بموجب الملكية الفكرية ويسلط الضوء على فوائد تأمين حقوق الملكية الفكرية. وبالإضافة إلى ذلك، تساعد خدمات العناية الواجبة الشاملة في مجال الملكية الفكرية الباحثين على فهم قابلية اختراعاتهم للحصول على براءات وملكيتها وإمكاناتها السوقية، مما يشجع على استغلالها تجارياً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تقديم المساعدة المباشرة مع أنشطة محددة لحماية الملكية الفكرية مثل إيداع طلبات البراءات، بما في ذلك الدعم المالي لتسديد رسوم الإيداع، يمكن أن يقلل بشكل كبير من العوائق التي تواجه الباحثين لضمان حماية اختراعاتهم بشكل كافٍ.
إن التعاون بين مختلف أصحاب المصلحة - الحكومات والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية - ضروري لتهيئة بيئة داعمة لنقل التكنولوجيا. ويساعد هذا الجهد الجماعي الباحثين على الشعور بالتقدير ويدفعهم إلى المشاركة في نقل التكنولوجيا، مما يؤدي إلى تحقيق فوائد مجتمعية واقتصادية كبيرة تعزز الصحة العالمية.
عمل الويبو في مجال تقديم الحوافز لتشجيع الباحثين المحترفين وتقديرهم ومكافأتهم.
أصدر قطاع الملكية الفكرية والنظم الإيكولوجية للابتكار في الويبو مؤخراً منشوراً بعنوان "الحوافز في مجال نقل التكنولوجيا: دليل لتشجيع الباحثين والمتخصصين وتقديرهم ومكافأتهم". ويقدم هذا الدليل توصيات وأفضل الممارسات التي تهدف إلى تحفيز الباحثين الأكاديميين والمهنيين في مجال نقل التكنولوجيا على المشاركة بفعالية فيه، مما يؤدي إلى تسويق البحوث.
ويحدد الدليل الشامل التحديات والفرص الرئيسية في مجال نقل التكنولوجيا. ويحلل كذلك الدوافع والحواجز التي تصادف الباحثين، مع استكشاف التأثير الأوسع نطاقاً لعملية نقل التكنولوجيا على الصناعات والاقتصادات والمجتمعات. من خلال معالجة العوائق الأكثر انتشاراً في برامج الحوافز، مثل خطر تحويل الباحثين الأكاديميين إلى رجال أعمال يركزون على النتائج التجارية البحتة، يهدف هذا المورد إلى ضمان الحفاظ على القيمة الجوهرية للبحوث القائمة على الفضول.
وبالإضافة إلى ذلك، يقدم الدليل أدوات عملية مثل:
- خطة عمل شاملة ومتدرجة لتسهيل عملية التخطيط الأولي.
- إطار عمل مصمم لمساعدة الجامعات على اختيار المزيج المثالي من الحوافز التي يمكن تصميمها حسب الاحتياجات الفريدة لكل مؤسسة.
- استبيان للجامعات لجمع البيانات من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين فيما يتعلق بدوافعهم ومستويات رضاهم وأولوياتهم المتعلقة بالبحث ونقل التكنولوجيا.
- أمثلة على برامج الحوافز الناجحة من جامعات من جميع أنحاء العالم، مما يوفر ثروة من المعرفة وأفضل الممارسات للمؤسسات التي تتطلع إلى تعزيز أنشطة نقل التكنولوجيا.
سد الفجوة بين الابتكار وإحداث الأثر
تماماً كما كان تطوير اللقاح المضاد لفيروس الورم الحليمي البشري وتسويقه محورياً في مكافحة سرطان عنق الرحم، يمكن للحوافز الفعالة المقدّمة للباحثين أن تمهد الطريق للابتكارات في مجالات أخرى لإحداث تأثير كبير على الصحة العالمية. وتؤدي هذه الحوافز أيضاً إلى نمو اقتصادي كبير من خلال إنشاء صناعات وفرص عمل جديدة.
وتواصل الويبو تمكين الجامعات والمؤسسات البحثية والمبتكرين وتزويدهم بالأدوات والموارد اللازمة لتسويق ملكيتهم الفكرية. ويساعد هذا الدعم على سد الفجوة بين الإنجازات العلمية وتطبيقاتها العملية، مما يضمن وصول الابتكارات في مجال الصحة إلى من هم في أمس الحاجة إليها.