اقتباس الموسيقى في العصر الرقمي

14 أبريل 2025

Alexander Cuntz, Ruth Samson

14 أبريل 2025 ・ 5 minutes reading time

#
الصورة: ASMR/iStock/Getty Images Plus

أدى ظهور التكنولوجيا الرقمية إلى تغيير صناعة الموسيقى بطرق مذهلة، مما أدى إلى خفض تكلفة إنتاج الموسيقى وتوزيعها. كما أتاح الوصول الأوسع نطاقاً إلى الموسيقى على المنصات الرقمية المنتشرة عالمياً إمكانيات جديدة لكل من المبدعين والمستمعين. وبفضل الأدوات الرقمية الجديدة، أصبح لدى الفنانين الموسيقيين الآن خيارات إبداعية أكثر من أي وقت مضى، مما يسهل عليهم استلهام أفكارهم الموسيقية والتعبير عنها. وبحسب بحث جديد أجرته الويبو، فإن الطريقة التي ينشئ بها الفنانون الموسيقى ويتشاركونها قد تغيرت كثيراً خلال القرن الماضي، ويُعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى التقدم المحرز في التكنولوجيا الجديدة وظهور أنواع موسيقية جديدة.

استخدام الموسيقى الموجودة: من اقتباس العينات أو تضمينها، إلى أداء أغاني لفنانين آخرين (الكوفر)

غالباً ما يكون تأليف الموسيقى أشبه بمداخلة في محادثة مستمرة منذ فترة طويلة. إذ كثيراً ما يستمد الفنانون إلهامهم مما جاء قبلهم. ويعني ذلك أنهم قد يعيدون استخدام ومزج أصوات أو كلمات أو أنماط موسيقية من أغانٍ قديمة لابتكار شيء جديد. ونرى ذلك في الممارسات الإبداعية مثل أخذ العينات الموسيقية مباشرة (استعارة أجزاء من الأغاني الموجودة)، والتضمين (إعادة تسجيل أو تغيير أجزاء من أغنية لجعلها مختلفة)، وأغاني الكوفر. وتجدر الإشارة إلى أن أي إعادة استخدام للمواد الموسيقية الموجودة تنطوي على شرط قانوني للحصول على إذن من أصحاب حقوق العمل القديم. وغالباً ما تتضمن كل قطعة موسيقية جديدة عناصر من الأعمال السابقة، مما يفضي إلى أشكال تعبير فنية جديدة.

استقاء الأفكار من أنواع موسيقية مختلفة

توجد طريقتان يتطور بهما الفنانون: استخدام الألحان المألوفة أو استكشاف ألحان جديدة

لقد غيّر العصر الرقمي طريقة تطوير الموسيقيين لأسلوبهم بوسيلتين رئيسيتين: استخدام الألحان المألوفة واستكشاف ألحان جديدة. يوضح الرسم البياني في الشكل 1 مدى تغير النسبة المئوية للمقاطع المأخوذة من نفس النمط الموسيقي مقارنةً بمختلف الأنماط الموسيقية على مر السنين. في مستهل ظهور الموسيقى الرقمية في سبعينيات القرن الماضي، كان معظم الفنانين يميلون إلى الالتزام باختيار الأساليب المألوفة، معتمدين بشكل كبير على أسلوبهم الخاص. في ذلك الوقت، كانت حوالي 60% من مصادر إلهامهم تأتي من داخل أنماطهم الموسيقية.

ولكن، مع تطور التكنولوجيا وظهور أنواع موسيقية جديدة، بدأ الفنانون في استكشاف ما هو أبعد من حدودهم المعتادة بصورة متزايدة. وبحلول التسعينيات، كانت أكثر من 60% من الأغاني التي أخذت عينات موسيقية تتضمن عناصر من مختلف الأنواع الموسيقية وتمزجها. وبفضل إتاحة أدوات رقمية أفضل، تمكن الموسيقيون من الاستفادة من مجموعة واسعة من التأثيرات الموسيقية والتعرّف عليها، مما سهّل عليهم تجريب أصوات جديدة وغير مألوفة. وقد أثرى هذا الانفتاح المشهد الموسيقي العام وشجع على الإبداع والتجريب الموسيقي.

الشكل 1: النسبة المئوية لروابط العينات الموسيقية عبر الزمن بين أنواع الموسيقى المختلفة وداخلها.

عينات الموسيقى بين الأنواع الموسيقية المختلفة وداخلها - بيانات من موقع Whosampled.com. ملاحظة: الحصص السنوية من إجمالي العينات الموسيقية. رسم بياني: سلسلة رؤى الصناعات الإبداعية، الويبو (2025). ملاحظة تقنية - الحصول على البيانات - تنزيل الصورة.

أدى ظهور التكنولوجيا الرقمية إلى اتخاذ الفنانين مسارات إبداعية مختلفة مع مرور الوقت. يختار بعض الموسيقيين التمسك عن كثب بألحان من أنماطهم الموسيقية، بينما يغامر آخرون في استكشاف ألحان جديدة وغير مسبوقة.

يمكن أن يُعزى هذا التباين في مدى عمق واتساع نطاق بحث المبدعين الموسيقيين عن الإلهام الموسيقي إلى التقدم المحرز في التكنولوجيا الرقمية وظهور أنواع موسيقية جديدة، مما وسّع من الإمكانيات الإبداعية المتاحة. ونتيجة لذلك، يواجه الفنانون قدراً أقل من انعدام اليقين ويمكنهم بسهولة أكبر تحقيق التوازن بين الطلب على الموسيقى والإبداع الفني مما يؤدي إلى إنتاج موسيقى أكثر تنوعاً وابتكاراً.

أخذ عينات موسيقية من التسجيلات القديمة

وقد اتبع إلمام الفنانين بالمقطوعات المأخوذة من العينات اتجاهاً موازياً - حيث ازداد في البداية ثم انخفض فيما بعد. في الأيام الأولى للتكنولوجيا الرقمية، قبل ثمانينيات القرن العشرين، كان مؤلفو الموسيقى في المقام الأول يأخذون عينات الموسيقى من الأعمال المعاصرة التي تتميز بأصوات مألوفة ضمن نفس النمط الموسيقي. ولكن مع تقدم التكنولوجيا الرقمية، أعاد الفنانون توجيه مسارهم في المشهد الموسيقي وبدأوا في البحث عن الإلهام من مقطوعات أقدم بكثير، وغالباً ما كانوا يعودون إلى عدة عقود مضت ويستقون الأفكار من أنواع مختلفة من الموسيقى. ويعكس هذا الاتجاه تحولاً نحو استكشاف فني أعمق وأوسع، وهو ما أصبح ممكناً بفضل إمكانية الوصول الواسعة إلى كتالوج الموسيقى القديمة.

كيف تؤثر أنواع الموسيقى على الإبداع

وعندما نتحدث عن الإلهام الموسيقي، فلكل نوع موسيقي اتجاهه الخاص. في الشكل 2، يمكننا أن نرى الروابط بين الأغاني في مختلف الأنماط الموسيقية وكيفية تأثيرها على بعضها البعض من خلال أخذ العينات الموسيقية. يمثل سُمك الخطوط عدد المرات التي يأخذ فيها الفنانون عينات موسيقية من الأنواع ذات الصلة. وفي الوقت نفسه، يُظهر حجم العُقد مقدار تأثير كل نوع، بناءً على سُمك الخطوط التي تدخل وتخرج منها.

على سبيل المثال، غالباً ما يركز فنانو الروك والبوب على تأثيرات محلية، ويعيدون استخدام الأنغام من داخل ذاك النمط الموسيقي. من ناحية أخرى، يشتهر فنانو الهيب هوب وآر آند بي بمزجهم بين أنماط مختلفة. وكثيراً ما يدمج هؤلاء الفنانون عناصر من أنواع مختلفة من الموسيقى، مثل السول والفانك والديسكو، مما يدل على مدى تنوع موسيقاهم وحيويتها. وتساعدهم الأدوات الرقمية وإمكانية الوصول إلى مجموعة أكبر من كتالوجات الموسيقى على استكشاف مجموعة متنوعة من الأصوات ودمجها في فنهم.

عندما يستكشف الفنانون تأثيرات متنوعة ونابضة بالحياة في موسيقاهم، فإنهم غالباً ما يبتكرون أنواعاً جديدة. فقد نشأت موسيقى الهيب هوب على سبيل المثال من مزيج من الأصوات والأساليب المأخوذة من أغانٍ مختلفة. في أواخر السبعينيات، شهد تاريخ الموسيقى لحظة مهمة مع إصدار أغنية "Rapper's Delight" لفرقة Sugarhill Gang. أخذت أغنية الهيب هوب الأيقونية هذه من موسيقى عينات من مقطوعات أخرى من موسيقى السول والفانك والديسكو، وحققت نجاحاً عالمياً. وقد ساعدت أغنية "I Feel Love" لدونا سامر وجورجيو مورودر، وهي من أوائل الأغاني التي كانت موسيقاها إلكترونية بالكامل، في تقديم هذا النوع الجديد من موسيقى الرقص الإلكترونية إلى المستمعين في جميع أنحاء العالم.

الشكل 2: كيف تؤثر الأنواع الموسيقية على بعضها البعض عبر أخذ عينات الموسيقى

كيف تؤثر أنواع الموسيقى على بعضها البعض - بيانات من موقع Whosampled.com. ملاحظة: تجميع حالات أخذ العينات بين المقطوعات الموسيقية حسب نوع الموسيقى ونوع الإنتاج الموسيقي. رسم بياني: سلسلة رؤى الصناعات الإبداعية، الويبو (2025). ملاحظة تقنية - الحصول على البيانات - تنزيل الصورة.

تشكيل مستقبل الموسيقى من خلال كتالوج أكثر تنوعاً

أحدثت الثورة الرقمية تحوّلاً كبيراً في صناعة الموسيقى، حيث غيّرت طرق استكشاف الفنانين لأفكارهم الموسيقية والتعبير عنها. وما بدأ كاعتماد على المؤثرات المألوفة، تطور الآن إلى مرحلة من الاستكشاف الفني المكثف والإنتاج الموسيقي الجديد القائم على إمكانية الوصول إلى كتالوج أكثر تنوعاً. ومع استمرار تقدم التكنولوجيا الرقمية، يمكننا أن نتوقع تنوعاً أكبر في الإبداع الموسيقي، حيث يستكشف الفنانون بجرأة مجالات جديدة وغير مسبوقة. يؤكد هذا التحول على التعاون بين التكنولوجيا والإبداع في تشكيل مستقبل الموسيقى بطرق مثيرة ومفاجئة.

هل تريدون معرفة المزيد عن أحدث الاتجاهات في مجال الموسيقى؟ يمكنكم قراءة مقالاتنا المنشورة في "رؤى الصناعات الإبداعية".

Disclaimer: The short posts and articles included in the Innovation Economics Themes Series typically report on research in progress and are circulated in a timely manner for discussion and comment. The views expressed in them are those of the authors and do not necessarily reflect those of WIPO or its Member States. ​​​​​​​