اقرؤوا هذه الصفحة باللغات التالية: English, Français, Español, 中⽂, Русский

إيجاد الزخم

إننا في حالة طوارئ مناخية يتطلب الحدُ من تأثيرها الكارثي تحوّلاً غير مسبوق في الأنظمة، ولكن الأمل موجود. فمصادر انبعاثات غازات الدفيئة كثيرةٌ، ولكن التكنولوجيات التي تتصدى لها كثيرةٌ أيضاً.

وتوجد خيارات كافية متاحة في جميع القطاعات لخفض الانبعاثات إلى النصف على الأقل بحلول عام 2030.[1] والتكنولوجيا والابتكار جزءٌ أساسيٌّ من الحل. وثمانون في المائة من التكنولوجيات التي نحتاج إليها لتحقيق الأهداف المناخية لعام 2030 موجودة بالفعل في السوق[2] - ولا يزال يظهر كثير منها. كما أن تكنولوجيات خفض استهلاك الطاقة، وتحويل وسائل النقل لتعمل بالكهرباء، وتحسين كفاءة استخدام المواد، ليست سوى بعض الخيارات الكثيرة المطروحة في كتاب التكنولوجيا الخضراء لهذا العام. ومنظومات الابتكار الوطنية هي مصدر كل هذه الفرص الجديدة. وتستند منظومة الابتكار ذات الأداء الجيد إلى نظام فعال وعادل لحقوق الملكية الفكرية، وهذا النظام في حد ذاته يحفز الابتكار وينشر التكنولوجيا في الأسواق العالمية.

وهذا عام الحصيلة العالمية، حيث تُراجِع البلدانُ خططها المناخية الوطنية بهدف رفع مستوى الطموحات في السنوات المقبلة. وبخلاف مستوى الدولة القومية، توجد مجموعة متزايدة من الجهات غير الحكومية، منها القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني، تعمل بلا كلل ولا ملل لتحقيق الرؤية الواردة في اتفاق باريس.

وثمانون في المائة من التكنولوجيات التي نحتاج إليها لتحقيق الأهداف المناخية لعام 2030 موجودة بالفعل في السوق – ولا يزال يظهر كثير منها. 

المعرفة التي تحفز العمل

تناول الإصدار الأول من كتاب التكنولوجيا الخضراء تكنولوجيات التكيف مع تغير المناخ. وفي هذا الإصدار الثاني، نجعل حلولَ التخفيف من آثار تغير المناخ واقعاً ملموساً من خلال عرض الثروة الوفيرة من الابتكارات والتكنولوجيات الناضجة والناشئة المتاحة. ويُحلل هذا المنشور 10 قطاعات ضمن ثلاث فئات رئيسية:

  • المدن
    • كفاةء التدفئة والتبريد
    • التنقل الذكي
    • كفاةء استخدام المواد والإدارة المستدامة للنفايات
  • الزراعة واستخدام الأراضي
    • الماشية
    • التربة، وتغير استخدام الأراضي، والغابات
    • زراعة الأرز
    • البيانات والزراعة المُحْكمة
  • الصناعة
    • الحديد والصلب
    • الأسمنت
    • الثورة الصناعية الرابعة

وحُدِّدت أكثر من 600 تكنولوجيا لتخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معه –وهذا العدد في تزايد– من أجل مجموعة كتاب التكنولوجيا الخضراء بقاعدة بيانات WIPO GREEN للاحتياجات والتكنولوجيات.[3] ويعرض هذا المنشور مجموعة مختارة من تلك التكنولوجيات المتعلقة بالتخفيف من آثار تغير المناخ. ويمكن لمُقدمي الحلول تحميل نبذة عن تكنولوجيتهم إلى قاعدة البيانات، مما يجعلها مصدراً متوسعاً باستمرار للابتكار الأخضر والتكنولوجيا الخضراء. ونهدف من خلال تسليط الضوء على التكنولوجيات إلى تحفيز العمل. فقد حان وقت الإعداد والاستخدام السريعين للحلول التي تمنع السقوط في هاوية الانبعاثات الكربونية العالية وتدفع عجلة التغيير التحويلي.

ويمكن لمُُقدمي الحلول تحميل نبذة عن تكنولوجيتهم إلى قاعدة البيانات، مما يجعلها مصدراًً متوسعاًً باستمرار للابتكار الأخضر والتكنولوجيا الخضراء.

تصميم المدن الدائرية والذكية

المدن هي المكان الذي سيشهد إلى حد بعيد الانتصار في معركة المناخ، أو خسارتها. ففيها تُشيَّد المباني، وتُستهلك الطاقة والغذاء، وتنشأ النفايات، ويُنقل الأشخاص والبضائع. وأما على مستوى المركبات، فإن الانتشار السريع للسيارات الكهربائية قد تجاوز التوقعات بكثير في العديد من المدن. وكان التقدم في تكنولوجيا البطاريات، والتكامل بين المركبات والشبكة، ومحطات الشحن من عوامل التمكين المهمة. ولكن بينما ينمو سوق السيارات الكهربائية، يزداد أيضاً الاتجاه نحو سيارات الدفع الرباعي التي تستهلك قدراً كبيراً من الوقود، إذ كانت وحدها تمثل ثلث إجمالي النمو في الطلب على النفط بين عامي 2021 و2022.[4] كما أن أسعار السيارات الكهربائية لا تزال بعيدة عن متناول معظم الناس، لا سيما في البلدان الناشئة والنامية. وعلى الرغم من ظهور كثير من خيارات المركبات الكهربائية الجديدة للاستخدام الشخصي ونقل البضائع، بما في ذلك خيارات المركبات ذات العجلتين، فإن التخفيض الفعال لانبعاثات قطاع النقل يعتمد على الابتكارات التي تتجاوز المركبات الفردية. على سبيل المثال، يمكن دعم سياسات أفضل للمدن المدمجة ووسائل النقل العام دعماً عملياً من خلال تكنولوجيات مثل الأنظمة الذكية لإدارة حركة المرور، وأدوات النمذجة الحضرية، ومنصات "التنقل كخدمة".

وتوجد في الأسواق بالفعل تكنولوجيات تدفئة وتبريد موفرة للطاقة وأجهزة تبريد بديلة، مثل الأنواع الجديدة من المضخات الحرارية، ومواد العزل الحديثة، والتكنولوجيات الذكية القادرة على ضبط تيار التدفئة والتبريد ليتناسب مع احتياج المبنى. إلا أن هذه الحلول ليست في الغالب الخيار الأول للمستهلكين، وهو ما يستلزم مزيداً من الابتكار لجعل هذه الحلول ميسورة التكلفة ومتاحة بسهولة. وفي الوقت نفسه، يتزايد يوماً بعد يوم عددُ مكيفات الهواء المُستخدمة في جميع أنحاء العالم، وتُعدّ التدفئة أكبر مستخدم نهائي للطاقة. وفي عدد متزايد من المدن، تساعد الأنظمة المركزية للتدفئة والتبريد (على مستوى المنطقة) على تقليل استهلاك الطاقة، وتسمح بدمج مصادر الطاقة المتجددة. ولكن خفض الانبعاثات في هذه القطاعات يجب ألا يقتصر على تحسين الكفاءة التشغيلية. ويمكن أن تساعد التكنولوجيا على تلبية الطلب على التدفئة والتبريد من خلال إتاحة إمكانية تصميم المباني على نحو مُراع للمناخ. فتقنيات التدفئة الطبيعية والتبريد الطبيعي موجودة منذ قرون. وتعكف الآن بلدان عديدة على تحديث هذه التقنيات المُجرَّبة وتعزيز مبادئها التصميمية من خلال قوانين البناء ومعايير كفاءة استهلاك الطاقة.

فالزراعة واستخدام الأراضي وإدارتها تمثل نحو 22 % من انبعاثات غازات الدفيئة، وتشغل 38 % من سطح الكرة الأرضية وهي مسؤولة عن 70 % من عمليات استهلاك مخزون المياه العذبة على مستوى العالم.

ويُقرّ هذا المنشور أيضاً بأن كفاءة استخدام المواد والإدارة المستدامة للنفايات في المدن أداة رئيسية لتقليل الانبعاثات. فالتضاعف المتوقع لاستخدام المواد بحلول عام 2050، ابتداءً من مواد البناء والخشب وصولاً إلى البلاستيك والزجاج، يتطلب على وجه السرعة حلولاً مبتكرة لتعزيز الدورانية. ولم تعد هذه الحلول خياراً، بل أصبحت ضرورة للعمل المناخي. كما أن التقدم في تكنولوجيات الفرز، مثل الروبوتات والماسحات الضوئية، يسمح بزيادة معدلات إعادة تدوير النفايات. فتكنولوجيات إعادة التدوير المبتكرة يمكنها الآن التعامل مع المواد التي يصعب إعادة تدويرها، مثل الإطارات وريش توربينات الرياح.

وبعض تكنولوجيات إدارة النفايات تُعدّ في حد ذاتها مصدراً رئيسياً للانبعاثات. وتنأى بلدان مثل الدانمرك عن حرق المواد، بسبب عدم كفاءتها وارتفاع معدل الانبعاثات. وقد تبيَّن أن العديد من تكنولوجيات إعادة التدوير المستجدة، مثل إعادة التدوير الكيميائي، مُستهلكة للطاقة، مما يتطلب تفكيراً أكثر تركيزاً على نطاق كامل دورة المنتَج في جدوى التكنولوجيا من منظور مناخي. ويسلط ذلك أيضاً الضوء على الحاجة إلى الابتكار والتكنولوجيات الأكثر استباقية. ويزداد يوماً بعد يوم في كثير من المدن انتشار محطات المرتجع وإعادة التعبئة لأي شيء بدءاً من الزجاجات والعلب وصولاً إلى المياه والمنظفات. وفي الوقت نفسه، تدعم الأدواتُ الرقمية تحسين تصميم المباني وتحسين المنتجات لإتاحة إمكانية إعادة الاستخدام، ومن أمثلة ذلك الوثائق الرقمية التي توضح المواد المُستخدمة في المنتج. كما أن المنصات الإلكترونية للملكية المشتركة وتقاسم أي شيء ابتداءً من السيارات والأدوات وصولاً إلى مباني المكاتب يقللان الطلب على تصنيع منتجات جديدة.

الزراعة التجديدية والتكنولوجيا الزراعية

تتعرض النُّظم الغذائية العالمية والقطاع الزراعي لضغوط. وتوجد حاجة واضحة إلى إنتاج المزيد من أجل إطعام العدد المتزايد من سكان العالم، وهو ما تصاحبه في الغالب زيادة الطلب على منتجات مصنعة مرتفعة الانبعاثات. وللقطاع الزراعي آثارٌ كبيرةٌ على البيئة وتغير المناخ، ولا سيما انبعاثات غاز الميثان. فالزراعة واستخدام الأراضي وإدارتها تمثل نحو 22% من انبعاثات غازات الدفيئة،[5] وتشغل 38% من سطح الكرة الأرضية[6] وهي مسؤولة عن 70% من عمليات استهلاك مخزون المياه العذبة على مستوى العالم.[7] ولذلك فإن التخفيف من آثار تغير المناخ في هذا القطاع له أهمية بالغة. كما أن هذا القطاع مُعرَّض بشدة لآثار تغير المناخ، وتوجد حاجة ملحة إلى اتخاذ تدابير التكيف مع تغير المناخ المذكورة في إصدار العام الماضي من كتاب التكنولوجيا الخضراء.

ويُركِّز هذا الإصدار على قطاعات الانبعاثات الرئيسية في مجال الزراعة، وينظر أيضاً في مزايا التكنولوجيا الرائدة المتطورة للغاية في مجال البيانات والزراعة المُحْكمة. وتُعدّ الماشية مصدراً رئيسياً للانبعاثات، ولا سيما من خلال غاز الميثان الناتج عن الماشية المُجتَرَّة. ويمكن مكافحة الانبعاثات من خلال اتخاذ تدابير في جانبي العرض والطلب. أما في جانب العرض، فيوجد ارتباط قوي بين الإنتاجية والانبعاثات لكل كمية مُنتَجة من اللحوم أو الحليب، ويعني ذلك أنه يمكن تقليل انبعاثات منتجات الألبان واللحوم من خلال زيادة الإنتاجية. وقد يسهم ذلك في الحد من استخدام الأراضي والمياه، إذا كانت هذه الزيادة في الإنتاجية ليست لها آثار بيئية جديدة أو لا تؤدي إلى تدهور مستوى الرفق بالحيوان.

ولكن الابتكار يطرح خيارات جديدة، لعل من أوفرها حظاً المواد المضافة إلى الأعلاف. فالأعشاب البحرية المُضافة إلى علف الماشية يمكن أن يكون لها تأثير مباشر على عملية التخمير المعوي لتقلل بشدة من إنتاج الميثان. ويُوجَّه أيضاً قدر كبير من الابتكار نحو تلبية الطلب على اللحوم من خلال البحث عن بدائل للحوم يقبلها عامة المستهلكين. ويجري حالياً توفير العديد من هذه البدائل للمستهلكين. وعلى الرغم من وضوح فوائد هذا النهج من حيث تجنب القسوة على الحيوانات، لم تُحدَّد بعدُ المكاسب البيئية الصافية. والاستعاضة عن البروتين الحيواني ببدائل مشتقة من النباتات والفطريات عند الإنتاج الضخم لمجموعة كبيرة من المنتجات الغذائية المصنعة قد تكون لها تأثير محتمل أكبر في هذا الصدد.

كما أن الفصل الثالث، المُعنون الزراعة واستخدام الأراضي، يتطرق إلى إدارة المراعي والأراضي. فالتربة تخزن كميات هائلة من الكربون في شكل مستقر نسبياً. وتؤدي الممارسات الزراعية المكثفة والأسمدة الكيماوية التي تسبب تدهور التربة وتعريتها، فضلاً عن إزالة الغابات، إلى إطلاق هذا المخزون من الكربون. ويمكن التخفيف بشدة من حدة ذلك عن طريق الإدارة الحذرة للأراضي، والزراعة التجديدية، والابتكارات التي تزيد من الكربون في التربة. ولكن ذلك يتطلب أن تصبح تلك الأمور جزءاً لا يتجزأ من الممارسة الزراعية لعدد كبير من المزارعين.

وتُعدّ زراعة الأرز أحد نُظُم الزراعة التي تثير قلقاً مناخياً بالغاً، لأنها تنطوي على غمر الحقول، مما يؤدي إلى انبعاث غاز الميثان. ففي أي منطقة مُنتجة للأرز مثل منطقة جنوب شرق آسيا، يُعزى إلى زراعة الأرز ما يتراوح بين 25% و33% من انبعاثات غاز الميثان.[8][9][10] كما أن زراعة الأرز تستهلك كمية كبيرة من المياه العذبة، مما يجعل هذه الممارسة مُعرَّضة بشدة لآثار تغير المناخ. وتحسينات الإنتاجية، التي تتضمن استخدام كميات أقل من المياه على مساحة أصغر من الأراضي، يمكن أن تساعد على تقليل الانبعاثات. كما أن أنظمة الزراعة الجديدة التي تُغمر فيها الحقول بالمياه لمدة زمنية أقصر قد أظهرت نتائج واعدة في الأماكن التي يمكن تنفيذها فيها.

ويمكن أن تساعد تكنولوجيا المعلومات والبيانات على التحول إلى أنظمة ذات انبعاثات أقل، كما هو الحال في كثير من القطاعات الأخرى. وتستطيع التكنولوجيات المتقدمة في مجال الزراعة أن تحد من النفايات، وأن تقلل المدخلات مثل الأسمدة والمبيدات الحشرية والمياه، وأن تُحسِّن ظروف نمو النباتات. والخطوة الجذرية المتمثلة في التوقف عن استخدام التربة تماماً ونقل الإنتاج إلى الأماكن المغلقة من خلال الزراعة المائية والزراعة العمودية مُطبقةٌ بالفعل وتتطور باستمرار، وهو أمر مهم للتمكن من تقليل الانبعاثات. وتستطيع شتى الآلات الزراعية الذاتية التشغيل كلياً أو جزئياً إنجاز المهام الزراعية على نحو أكثر فعالية وبدرجة عالية من الدقة. كما أن الأنظمة والأدوات التي تدعم المزارعين في اتخاذ قراراتهم وتساعدهم على الحصول على تمويل للتحول إلى الممارسات الزراعية التجديدية أصبحت أكثر انتشاراً وأسهل استخداماً. ولصور الأقمار الصناعية المتاحة للجميع بدقة عالية دورٌ مهمُ في هذا الأمر. وكثيرٌ من الآلات المتقدمة والتكنولوجيات الجديدة ليست شائعة بعدُ في المناطق الريفية ذات الدخل المنخفض. إلا أن الأساليب الجديدة للاستخدام والملكية ونماذج الأعمال التجارية القائمة على الخدمات الزراعية قد تُيسِّر نشرها على نطاق أوسع بين صغار المزارعين.

خفض انبعاثات الكربون في قطاعي الصلب والأسمنت

الصلب والأسمنت من أكبر مصادر انبعاث غازات الدفيئة. وغالبًا ما يُعتبر قطاعا الصلب والأسمنت من القطاعات التي يصعب فيها خفض انبعاثات الكربون. إلا أن هذا الحجة تُخفي عن أعيننا حقيقة وجود حلول بالفعل. فإحدى الطرائق الفعالة بشدة لتقليل انبعاثات الأسمنت تتمثل في تقليل استخدام الكلنكر، وهو عنصر شائع في الأسمنت يُصنع عن طريق تسخين مواد خام مثل الحجر الجيري في عملية تتطلب درجات حرارة عالية وتنبعث منها غازات الدفيئة. وتنطوي الاستعاضة جزئياً عن الكلنكر بمواد بديلة على بعض الفرص الكبيرة لتقليل انبعاثات الأسمنت. ولكننا في الوقت نفسه نشهد تزايد نسبة الكلنكر إلى الأسمنت في جميع أنحاء العالم.

وقد أوشكت كثير من أفران الصلب على الوصول إلى نهاية عمرها الافتراضي. وسوف يؤدي الاستعاضة عنها بأفران الصهر التقليدية ذات الانبعاثات العالية إلى السقوط في هاوية الانبعاثات الكربونية العالية لعقود من الزمن إلى أن تنخفض قيمتها الاستثمارية. إن خفض انبعاثات الكربون من قطاعي الصلب والأسمنت أمر صعب، ولكنه ليس مستحيلاً. ونحن نعلم التكنولوجيات اللازمة، ولكننا لا ننفذها على المستوى المطلوب. ويوجد بالفعل العديد من تكنولوجيات إنتاج الصلب والأسمنت الناضجة والمُراعية للمناخ، مثل الحديد المصنوع بالاختزال المباشر، والتحول الكهربائي، واستخدام بدائل الكلنكر.

إلا أن مجرد خفض الانبعاثات الناجمة عن إنتاج الصلب والأسمنت لن يكفي. فالتقليل الفعال من إجمالي انبعاثات القطاع في ظل الطلب المتزايد يتطلب إيلاء اهتمام أكبر كثيراً بإدارة هاتين المادتين، فضلاً عن إدارة الطلب عليهما. فغالباً ما تستخدم مشروعات البناء كميات مفرطة من الصلب والأسمنت. وتوجد في جميع أنحاء العالم ملايين المباني والمكاتب التي إما تظل فارغة وإما تُهدَم قبل أن تصل إلى نهاية عمرها الافتراضي. وللحد من الانبعاثات، لا بد من توسيع نطاق الاستفادة من المبنى وتمديد عمره الافتراضي، وتصميمه على نحو يحقق الكفاءة في استخدام المواد، مع استخدام مواد خفيفة الوزن وذات انبعاثات منخفضة من الكربون. وتُعدّ منصات المشاركة الرقمية وأدوات التصميم، وتكنولوجيات إعادة التدوير المتقدمة، والمواد المبتكَرة من عوامل التمكين الرئيسية لسلسلة الإمداد الدائرية هذه.

كما أن التكنولوجيات التي تسمح بزيادة كفاءة استخدام الصلب والأسمنت تحمل أملاً كبيراً في تحقيق الأهداف المناخية. ولكن يجري حالياً إيلاء مزيد من الاهتمام لتكنولوجيات ناشئة، مثل احتجاز الكربون وتخزينه، واحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، والهيدروجين الأخضر. ومن المرجح أن يتجلى الافتقار إلى حوافز مالية وسوقية للمُصنِّعين في التركيز على تحسين عمليات الإنتاج واحتجاز الكربون بدلاً من الاستخدام الفعال للمواد. وفي الوقت نفسه، لا يزال تنفيذ تكنولوجيات احتجاز الكربون وتخزينه، واحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، والهيدروجين الأخضر بطيئاً للغاية ولم يُحدِث أي أثر كبير، ولا سيما في كُبرى الدول المُنتِجة للصلب والأسمنت. وكان أيضاً هذان القطاعان بطيئين في اعتماد التكنولوجيات الرقمية الرائدة لتحسين استخدام الطاقة وعملياتها. كما أن قطاعي الصلب والأسمنت من القطاعات التي تحتاج بشدة إلى مزيد من البحث والتطوير التكنولوجي إذا أرادا خفض صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050.

التكنولوجيات المناخية يجب أن تتصدى لجانبي العرض والطلب

يجب على الحكومات والمدن أن تعمل بسرعة على تطوير تكنولوجيات التخفيف من آثار تغير المناخ وتوسيع نطاق تلك التكنولوجيات. إلا أن اختيار التكنولوجيا أصبح مهماً الآن أكثر من أي وقت مضى. فمجرد تحسين الأنظمة الحالية لن يكفي لتحقيق الأهداف المناخية. وقد اعتُرف في معظم البلدان بالدور المحوري للطاقة المتجددة في التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. وأُولي قدر أقل من الاهتمام لدور التكنولوجيا والابتكار في إدارة الطلب المتزايد على المواد والموارد، وفي تعزيز الدورانية، وذلك على الرغم من أن استخدام المواد هو المحرك الرئيسي لأزمة الكوكب الثلاثية التي تتألف من تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وآثار التلوث المرتبطة بالصحة.

ويُركِّز كثيرٌ من تقارير التكنولوجيات المناخية على دورها في الحد من الانبعاثات في جانب العرض، وذلك على سبيل المثال من خلال تغيير الوقود وكفاءة استخدام الطاقة. ويختلف كتاب التكنولوجيا الخضراء في أنه يقر أيضاً بالإمكانات الهائلة غير المستغلة لإدارة الجانب المتعلق بالطلب. وفي ظل تزايد الطلب على الموارد أضعافاً مضاعفة، نحتاج إلى إعادة التفكير في طرائق تقديم الخدمات الإنسانية الأساسية، ومنها الغذاء والمأوى والتنقل – وفي طرائق تحقيق المزيد بموارد أقل.

والتكنولوجيا جزء أساسي من حل هذا اللغز. فبإمكانها أن تُمكِّن الاقتصادات المتقدمة والناشئة والنامية من استخدام الموارد بكفاءة أكبر. كما أنها تسمح لنا بالاستعاضة عن المواد ذات الانبعاثات الكربونية المرتفعة، وبمراعاة الاعتبارات المناخية على نحو منهجي عند تطوير مدننا ومبانينا ومنتجاتنا وأنظمتنا الغذائية. وقد ذكرت مؤخراً الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن تجنُّب الطلب على الخدمات وتحويله وتحسينه قادر على تقليل انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة تتراوح بين 40% و70% على مستوى العالم بحلول عام 2050.[11][12]

ويتطلب ذلك إدخال تغييرات على استثماراتنا وسياساتنا وسلوكنا. وتتمتع التكنولوجيا والإبداع بالقدرة على تغيير الأنظمة بدلاً من تحسين طرائق سير العمل كالمعتاد، فكثير من التكنولوجيات تُتيح خيارات لا تندم عليها الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء. وتستحق التكنولوجيات الرقمية أن نخصّها بالذكر هنا، نظراً لقدرتها على تحسين المواءمة بين العرض والطلب، وتجنب نفايات الإنتاج غير الضرورية، والسماح بتصميم واستخدام الأنظمة الدائرية. ويُلقي هذا المنشورُ الضوءَ على مجموعة متنوعة من التكنولوجيات التي تتناول أنشطة على نطاق المدن، والزراعة واستخدام الأراضي، والصناعة.