بناء صناعة محتوى رقمي أفريقية
بقلم جورج توامسي، المدير التنفيذي لشركة إي بي إن القابضة المحدودة، بلندن، المملكة المتحدة
يشكل التراث الثقافي الأفريقي نسيجاً معقداً وثرياً ومتعدد الألوان من المعارف والحكم المتعمقة. ومع ذلك لم تحظ لأجيال حكاياتنا الشعبية الساحرة والرؤى التي تتضمنها بحق قدرها ولا بالشهرة التي تستحقها. غير أن التاريخ يعلمنا أن أعظم الحضارات على الأرض ازدهرت بفضل وجود ثقة راسخة في القوة الإبداعية لنظم معتقداتها وأساطيرها.
وفي ظل الاعتراف بالإمكانيات الإبداعية الهائلة للموارد الثقافية الأفريقية، وبقوة وسائط الإعلام، وضرورة تجديد الثقة فيما بين الأفارقة في إمكانياتنا الإبداعية، تدعم الهيئة العامة الأفريقية للبث الجهود الرامية إلى إنشاء مشهد أفريقي دائم للبث العام يتيح تسخير التكنولوجيات الرقمية وتشجيع إنتاج محتوى ذي جودة عالية وشيق من صنع الأفارقة ومن أجل الأفارقة.
والهيئة العامة الأفريقية للبث التي أنشأتها شركة إي بي إن القابضة المحدودة بالتعاون مع السيد إيمانويل أكيبونغ، الأستاذ بجامعة هارفارد، والمنظمات الأفريقية الكبرى للبث، هي عبارة عن منظمة إلكترونية إعلامية معنية بالبلدان الأفريقية، وتضم هيئات بث وباحثين أكاديميين. وهي تهدف إلى دعم التحول الاقتصادي لأفريقيا عن طريق إنشاء حلقة عمل إبداعية لتُستحدث من خلالها مجموعات متوالية من القصص الأصلية والملهمة والموجهة إنمائياً، وتُنتج وتُوزع عبر القنوات التليفزيونية الأفريقية، حيث تستهدف الملايين داخل أفريقيا وخارجها.
وبالاعتماد على الثروة الثقافية العميقة لأفريقيا، تعيد الهيئة إنشاء تقليد رواية القصص الملهم لأفريقيا في التليفزيون، من خلال محتوى من صنع الأفارقة ومن أجل الأفارقة. والهدف من وراء ذلك هو الاستفادة من القوة السمعية البصرية المباشرة للتليفزيون للاحتفاء بتاريخ القارة الثري بالحكايات الشعبية من أجل الترفيه عن المشاهدين وتنويرهم.
وقد ظل النهوض بتقليد رواية القصص في أفريقيا لعقود بعيداً عن الأضواء. مما أدى بوجه عام إلى تقليل اهتمام الأفارقة بالحكم الثقافية الثرية لسرودنا، والحد بفعالية من الرغبة في استغلال إمكاناتنا الإبداعية، وطمس الرؤية بشأن مستقبل ذي إمكانيات لا محدودة حيث تكون الإنجازات الجديرة بالاهتمام هي القاعدة.
أرشيف من الثقافة الأفريقية يبرز ويلهم
غير أن الباحثين ظلوا خلال الخمسة وستين عاماً الماضية يحشدون أرشيفاً متوسعاً من المعارف الأفريقية يتنوع بين جذورهم الأثرية والتاريخية وتقاليدهم الأدبية والشعبية. وفي الوقت الحالي، تمثل أيضاً مبادرات مثل سلسلة الكتاب الأفارقة التي تحظى منذ الخمسينات برعاية ناشري هيانيمان التربويين، والتي مكنت كتاب مثل أموس توتولا وشينوا أشيبي من الانطلاق، أرشيفاً أدبياً عظيماً. كذلك معجم السيرة الذاتية الأفريقية المكون من ستة أجزاء التي نشرها في عام 2012 الأستاذان إيمانويل أكيبونغ وهنري لويس غيتس من جامعة هارفارد، والتي تروي الأحداث التي شكلت تاريخ القارة خلال الخمسة آلاف عام الماضية، يقدم مصدراً ثرياً آخر للمعلومات عن أبطال وبطلات أفريقيا.
وتعكس هذه المصنفات عمق تاريخ أفريقيا وثراءه وتعقده، وتوثق الإسهامات الثقافية والفنية الملموسة التي قدمتها المجتمعات الأفريقية في الماضي. ويشمل ذلك اللغة الهيروغليفية المصرية، واللغة والكتابة المروية، والحروف واللغة الجعزية الأثيوبية. كما أنها تقدم اليوم مصدراً ثميناً من الإلهام للمبدعين الشباب الأفارقة ليؤلفوا محتوى من صنع الأفارقة ومن أجل الأفارقة.
فرصة لإعادة إحياء الاهتمام بالثقافة الأفريقية
لقد طرأ تغيير جذري في وسائط الإعلام التقليدية وصناعات المحتوى في جميع أنحاء العالم بفضل التحول إلى تكنولوجيات الوسائط الرقمية الجديدة. فهذه التكنولوجيات أحدثت تحولاً في الأسلوب الذي ننتج من خلاه المحتوى الإبداعي ونخزنه، ونوزعه، ونستهلكه. وفي أفريقيا أيضاً، تفسح نماذج الأعمال التجارية التقليدية داخل القطاع الإعلامي المجال لمنصات رقمية جديدة أصبحت هي القوى المحركة المركزية لنماذج التشغيل، وعلاقات المستهلكين، ونمو الإيرادات حيث يجري تطور سريع.
وسوف تمنح الثورة الرقمية رجال الأعمال المبدعين في أفريقيا فرصة فريدة لترجمة التقاليد الفولكلورية لأفريقيا إلى مشاركة في محتوى رقمي إبداعي، حيث يمكن أن يطلع عليه ملايين المستهلكين في جميع أنحاء العالم بمجرد النقر على زر معين.
غير أن اغتنام معظم هذه الفرص سيتطلب إحداث تحول في مشهد البث في أفريقيا. وإنشاء بيئة تبرز من خلالها صناعة نشر رقمية قائمة على توفير خدمة عامة رشيدة يشكل أولوية رئيسية بالنسبة للهيئة العامة الأفريقية للبث. ومن أجل تحقيق ذلك، نحن نركز على ثلاثة أهداف رئيسية.
أولاً، نحن نركز على وضع علامات تليفزيونية أيقونية من الناحية الثقافية، وقائمة على الاشتراك، وموجهة نحو السوق الجماهيري. فمن الضروري أن تنشئ أفريقيا نظاماً إيكولوجياً للبث يكون فعالاً، وميسور التكلفة، ومنصة لا أدرية وداعمة لتحويل المحتوى إلى أموال نقدية. فالقارة بحاجة إلى نظام إيكولوجي يجذب مشاركة مؤسسات البث العامة والخاصة كافة، حيث يمكنها أن تعمل على نحو مفيد.
وبشكل عام، تتاح لهيئات البث في أفريقيا فرصة تجارية عظيمة لترفيه عشرات الملايين من المشتركين بتكلفة منخفضة في التليفزيون، وتثقيفهم، وإعلامهم. غير أن تحويل هذه الفرصة إلى فائدة اقتصادية ملموسة يتطلب التزاماً بحماية وتأمين كافة حقوق الملكية الفكرية المقترنة بتوليد محتوى أفريقي جديد وتوزيعه عبر العديد من المنصات. ولهذا السبب، تسعى الهيئة العامة الأفريقية للبث إلى العمل مع الويبو والحكومات الأفريقية الحديثة من أجل إذكاء الوعي بأهمية الملكية الفكرية وتعزيز قدرة القارة ككل في مجال الملكية الفكرية.
ثانياً، نحن بحاجة إلى استعادة سلامة التحرر الثقافي لأفريقيا وفضائله. فالهدف المنشود هو دعم التحول الرقمي للمجتمعات الأفريقية مع الحفاظ على الترابط والتنوع، وتعزيز روح أفريقيا للإبداع الثقافي عن طريق إنشاء علامة لنشر محتوى تليفزيوني رقمي قوي بفضل محتوى أفريقي ملهم وشيق يجد صداه لدى المشاهدين الأفارقة.
ولضمان تدفق مستمر لمحتوى من صنع الأفارقة ومن أجل الأفارقة، تدعم الهيئة الجهود الرامية إلى إنشاء صندوق للأنشطة الإعلامية الرقمية الأفريقية للمساعدة على نشأة رجال أعمال في مجال الإعلام في أفريقيا.
ثالثاً، نحن بحاجة إلى تنوير المشاهدين الأفارقة عن طريق استخدام شبكات تليفزيونية عامة قادرة على الاستمرار من الناحية التجارية لترفيه المشاهدين.
ويمكن الاستفادة من الطابع المباشر للتليفزيون والأسلوب الذي يمكنه من خلاله توصيل الرسائل بصورة مقنعة للغاية لاستعادة الفضائل المرجوة للحضارات الماضية لأفريقيا وسلامتها. وسيتوقف النجاح في حفز الشباب المضطرب في أفريقيا على قدرتنا على إثبات صحة الماضي التاريخي القيم للقارة، وإنجازاته البارزة، وفي ذات الوقت إعطاء رؤية مثيرة للاهتمام لشخصية أفريقية متجددة وقادرة على مواصلة التغيير المثمر والجوهري.
الاستثمار أمر أساسي لتلبية الطلبات المتزايدة
يشهد بالفعل سوق التليفزيون الأفريقي طلباً لا محدود على المحتوى الأفريقي الأصلي، والزاخر بالمعلومات الثقافية. غير أن شركات التليفزيون الثرية التي تتقاضي رسوماً في أكثر الأحيان، تواصل رعاية أفضليات قاعدة المشتركين فيها المتدفقين، ورغبتهم القوية في رؤية البرامج الدولية.
ونظراً لأن قوى السوق هي المحرك لشركات التليفزيون التي تتقاضي رسوماً لقاء خدماتها، فهي لا تهتم كثيراً أو لا تهتم على الإطلاق أو ليس لديها الحافز لإنتاج محتوى ذي أهداف ثقافية يمكن للأفارقة التعرف عليه بسهولة. فمن أصل ما يقدر بنحو 100 مليون منزل لديه تليفزيون في أفريقيا جنوب الصحراء، ما يقل عن 17 في المائة (نحو 15 مليون أسرة معيشية) يمكنهم الحصول على تليفزيون أرضي رقمي، أو تليفزيون موصول مباشرة بالمنزل.
وتستعد أفريقيا بفعالية لتتحول إلى التليفزيون الرقمي، لكن العديد من هيئات البث تفتقر إلى الوسائل المالية اللازمة لإنشاء بنية توزيع رقمية ذات موارد كافية. ومن ثم، تعد الشراكات والاستثمارات الدولية التي تسعى إلى تأمينها الهيئة العامة الأفريقية للبث أمراً أساسياً.
وسيستغرق تحقيق المواءمة بين خدمات مختلف الجهات داخل نظام أفريقيا الإيكولوجي للبث شوطاً طويلاً لإنشاء خدمة بث عامة قادرة على الاستمرار، وميسورة الكلفة للأسر المعيشية المتدنية الدخل والأسر الثرية في القارة الأفريقية.
وتقر الهيئة العامة الأفريقية للبث بالقيمة المرجوة لمحتوى من صنع الأفارقة من أجل الأفارقة. فهدفنا هو إنشاء مشهد أفريقي للبث مكون من مراكز إقليمية للمحتوى قادرة على مواصلة إنتاج وتوزيع محتوى رائد لعشرات الملايين من الأسر المتدنية الدخل التي تدفع رسوماً مقابل مشاهدة القنوات التليفزيونية والمشتركين في خدمة مشاهدة التليفزيون عبر الهاتف الخلوي. وهدفنا هو تأمين الوصول في جميع أنحاء أفريقيا بحلول عام 2023 إلى ما لا يقل عن 50 مليون مشترك في التليفزيون حيث يسري نظام الدفع أولاً بأول.
كما أننا نعمل لكفالة توفير أجهزة توصيل المحتوى بتكلفة معقولة (مثل أجهزة استقبال وتوزيع الشحنة، والتليفزيونات الرقمية، والهواتف الذكية، والألواح، والمفاتيح الإلكترونية وما إلى ذلك) على أساس كل بلد على حدة. وسوف يتعمق التقدم المحرز في هذه المجالات ليثري مجموعة المحتوى المصنوع بيد أفارقة من أجل الأفارقة.
والهدف الرئيسي للهيئة العامة الأفريقية للبث هو النهوض بالتكنولوجيات الرقمية لحفز إعادة إحياء الأصالة والإبداع لأفريقيا. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال قصص من صنع الأفارقة ومن أجل الأفارقة. ونحن نعتقد بأن حفز فضول جميع الأفارقة في إرثهم الثقافي سيجعل ممكناً تعزيز إنشاء صناعة محتوى رقمي مزدهرة بملايين الدولارات لدعم الأهداف الإنمائية للقارة في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
الغرض من مجلة الويبو مساعدة عامة الجمهور على فهم الملكية الفكرية وعمل الويبو، وليست المجلة وثيقة من وثائق الويبو الرسمية. ولا يراد بالتسميات المستخدمة وبطريقة عرض المادة في هذا المنشور بأكمله أن تعبر عن أي رأي كان من جهة الويبو بشأن الوضع القانوني لأي بلد أو إقليم أو منطقة أو سلطاتها أو بشأن تعيين حدودها أو تخومها. ولا يراد بهذا المنشور أن يعبر عن آراء الدول الأعضاء أو أمانة الويبو. ولا يراد بذكر شركات أو منتجات صناعية محددة أن الويبو تؤيدها أو توصي بها على حساب شركات أو منتجات أخرى ذات طبيعة مماثلة وغير مذكورة.