مقدمة
يتمتع كل اقتصاد بقطاع زراعي.
ولقد تطور المشهد الزراعي اليوم بشكل كبير مقارنة بأساليب الزراعة التقليدية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين. وأدى التقدم في الأسس العلمية والتقدم التكنولوجي إلى زيادة المحاصيل الزراعية التي تم تحقيقها باستخدام مدخلات زراعية أفضل مثل سلالات المحاصيل المحسنة والأسمدة ومبيدات الحشرات، وإلى تقليل الحاجة إلى العمل اليدوي الشاق المرتبط تقليديا بالزراعة من خلال استخدام الآلات التي كانت تعمل أولا بواسطة البخار ومن ثم بواسطة محركات الاحتراق.
وتشهد سلسلة القيمة الزراعية الحالية ارتفاعا مستمرا في مستوى الحنكة لا سيما فيما يتعلق بقطاعات القيمة المتمايزة العمودية والأفقية، والوكلاء الاقتصاديين، والمنتجات الوسيطة والنهائية. وهي تشمل أكثر من 200 قطاع فرعي صناعي، بدءًا من المدخلات الزراعية مثل الأسمدة والبذور والأراضي الزراعية والري واليد العاملة، مرورا بالمعالجة والتصنيع والتعبئة والتغليف، ووصولا إلى نقاط البيع النهائية للمنتجات والخدمات المقدمة للمستهلكين. وينشأ الابتكار في العديد من النقاط على طول سلسلة القيمة الزراعية، ويعتمد غالبًا على التقدم التكنولوجي في قطاعات أخرى من الاقتصاد مثل البيولوجيا الجزيئية أو الحوسبة أو التصوير عبر الأقمار الصناعية أو علوم المواد.
ويعرض الشكل 3.1 سلسلة القيمة الزراعية، باستخدام قصب السكر البرازيلي كمثال. وهو يوضح كيف يتكون كل قسم من سلسلة القيمة من مجالات او مكونات اقتصادية مختلفة يمكن أن تساهم في الابتكار وت��ويل القطاع. ولقد شهد الاستخدام النهائي لمنتجات قصب السكر تنوعا مهما مع مرور الوقت. تقليديا، تم استخدام قصب السكر في البداية لصناعة الأغذية والمشروبات بينما تم استخدام مخلفاته في علف الحيوانات والأسمدة. أما اليوم، فيمكن أن يُستخدم قصب السكر كمصدر للطاقة المتجددة. ويتطلب كل قطاع من قطاعات القيمة في سلسلة القيمة الخاصة بقصب السكر مجموعات مختلفة من المهارات والتخصصات، وتخضع كل فئة نهائية لمعايير وقواعد ولوائح منفصلة.
وتتمتع سلسلة القيمة الزراعية بروابط داخلية قوية؛ اذ يمكن أن يؤثر التغيير في أحد قطاعات القيمة على أي قطاع قيمة آخر على طول السلسلة. وفي حالة قصب السكر، أدى برنامج الحكومة لإنتاج الإيثانول إلى زيادة الطلب على قصب السكر الخام ودفع العديد من مصانع السكر إلى إنشاء مصانع للإيثانول. ويساعد الابتكار والتطور في قطاعات القيمة هذه على بناء قدرات الابتكار المحلية لمنظومة الابتكار وقد يغير مسار الابتكار في مجال التكنولوجيا الزراعية.
ومعظم التحسينات في الإنتاج في القطاع الزراعي تأتي من المعرفة المكتسبة خارج هذا القطاع.
وإن الارتفاع المستمر لمستوى الحنكة والتنوع الذي يشهده القطاع الزراعي، بالإضافة إلى وجوده في كل اقتصاد على الصعيد العالمي، يجعله موضوع مفيد لفهم كيف يمكن للقدرات المحلية أن تؤثر على المسار التكنولوجي لبلد ما.
ويتناول هذا الفصل تطور ثلاثة مراكز للابتكار في مجال التكنولوجيا الزراعية؛ وهي ساو باولو في البرازيل، ونيروبي في كينيا، ودنفر في كولورادو في الولايات المتحدة الأمريكية. ويوفر هذا ألأمر معلومات مهمة حول أهمية القدرات المحلية وتأثيرها على التخصص في التكنولوجيا الزراعية. ويوضح أيضًا كيف تمكنت هذه المراكز الثلاثة من التحول من مراكز انتاج زراعية تقليدية إلى مركز انتاج رائد للإيثانول (البرازيل)، ومركز انتاج رئيسي لأصناف الذرة في أفريقيا (كينيا)، ومُصدِّر عالمي لمختلف أصناف محاصيل التكنولوجيا الحيوية بالاضافة إلى شركات التكنولوجيا الزراعية الأخرى (الولايات المتحدة).
وهناك ثلاث نقاط رئيسية يجب أن نتذكرها من هذا الفصل. أولا، الابتكار في الزراعة يرتبط بالسياق والبيئة. وهذا يعني أنه لكي تكون التكنولوجيا الزراعية مفيدة لمختلف البلدان، يجب أن يتم تكييفها مع الظروف البيئية الزراعية المحددة المتعلقة بالتربة وشكل الأراضي والخصائص المناخية للمنطقة الزراعية، بالإضافة إلى العوامل الأخرى المتعلقة بالثقافة والسياسات والاسواق التي تؤثر على النُظم الزراعية الإقليمية. ثانيًا، يعد القطاع العام أحد المحركات الرئيسية للتخصص في التكنولوجيا الزراعية. وثالثًا، توضح شروط التملك وفرص السوق والقدرات الابتكارية العامة لمنظومات الابتكار كيف يمكن للبلدان تغيير مسارات الابتكار ��ي مجال التكنولوجيا الزراعية الخاص بها. وإن منظومة الابتكار هي مفهوم يربط بين مختلف الأطراف المعنية في مجال الابتكار والتي تنتمي بشكل عام إلى عدد من الفئات، مثل القطاع الخاص والقطاع العام والجامعات ومؤسسات الابحاث، وهي توفر إطارًا يمكن من خلاله وصف كيف يمكن للتفاعلات بين مختلف الأطراف المعنية والعلاقات المعقدة فيما بينها أن تؤدي إلى ابتكارات جديدة.
وتم تنظيم هذا الفصل بالاستناد إلى هذه النقاط الرئيسية الثلاث. ويشرح القسم التالي سبب ارتباط الابتكار الزراعي بالبيئة الزراعية والإقليمية. ويؤكد على أن فشل السوق الناتج عن سماته المتعلقة بالمنفعة العامة يتطلب مشاركة القطاع العام لدفع عجلة الابتكار في القطاع الزراع��. وي��لط القسم الثالث الضوء على دور الحكومات والقطاع العام في تهيئة الظروف اللازمة لبناء قدرات الابتكار في مجال الزراعة. ويقدّم القسم ما قبل الأخير اجابة على السؤال التالي: كيف يمكن لقدرات منظومة الابتكار في بلد ما أن تحدد مسار الابتكار في قطاعه الزراعي. ويتناول القسم الأخير مستقبل التكنولوجيا الزراعية ويحدد بعض الآثار المترتبة على السياسات.
لأغراض هذا الفصل، يشير مصطلح التكنولوجيا الزراعية إلى الحلول القائمة على التكنولوجيا التي تعالج التحديات في مجال الزراعة. ويشمل الابتكارات التي تُحسّن إنتاجية الأراضي (من خلال رفع إنتاجية المحاصيل لكل هكتار أو من خلال أنظمة الري)، وتخفف من حجم اليد العمالة (من خلال استخدام الآلات)، وتخفّض التكاليف من خلال استخدام الموارد النادرة بشكل أفضل وفعال (على سبيل المثال، من خلال استخدام أدوات الزراعة الدقيقة، وأصناف النباتات المقاومة للجفاف والآفات للتكيّف مع تغير المناخ والوقاية من الأمراض). ولا يشمل هذا المصطلح الابتكار على صعيد المؤسسات، مثل التعاونيات الزراعية أو الوسطاء الذين يسهلون التنسيق وتبادل المعرفة بين الحكومة والمزارعين والشركات الزراعية والمنظمات غير الحكومية.
إعداد الأراضي: أهمية التربة والبيئة
الابتكار في مجال الزراعة يختلف عن القطاعات الأخرى.
أولاً، بدون دعم حكومي، لن تكون حوافز الابتكار في القطاع الزراعي جذابة بما يكفي لتشجيع المنتجين الأساسيين في القطاع الخاص، أي المزارعين، على الاستثمار في هذا النشاط. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى واقع أن العديد من صغار المنتجين يحققون ارباحا قليلة جدا او غير مؤكدة. ورغم أن تحقيق الارباح في الزراعة يعتمد على عدة عوامل، تُظهر الدراسات أن المزارع الأكبر حجما تميل إلى تحقيق ارباح أكبر، ويرجع ذلك جزئيا إلى مبدأ "وفورات الحجم". ولكن توزيع هذا القطاع غير عادل، اذ تعمل 70 في المائة من جميع المزارع في جميع أنحاء العالم على أقل من هكتار واحد من الأراضي.
وبالإضافة إلى ذلك، يواجه المزارعون المخاطر وتراودهم الشكوك عندما يحاولون تحديد المحاصيل أو الماشية التي سينتجونها. وذلك لأنه يجب أن يتخذوا القرارات ويقوموا بالاستثمارات مُتسلّحين بمعلومات محدودة فقط ومن ثم انتظار المردود الغير مؤكد في وقت لاحق في المستقبل. وبالاضافة إلى ذلك، ترتبط الأرباح بالمحاصيل التي يمكن أن تتأثر سلباً بعوامل خارجة عن سيطرة المزارع مثل الطقس والآفات والأمراض والصراعات وأسعار السوق العالمية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تصل التكلفة التي يتحملها مزارعو الورد الكينيون في حال قاموا باختيار النوع "الخاطئ" من الورود المزهرة لزراعتها إلى 160,000 دولار أمريكي للهكتار الواحد.
ثانياً، تميل السلع والأنشطة الزراعية إلى امتلاك الخصائص الاقتصادية للمنفعة العامة. اذ تتطلب بعض الفوائد المتعلقة بالزراعة (مثل ضمان سلامة الغذاء والأمن الغذائي، والتغذية الكافية للصحة العامة، والاستدامة البيئية) دعم القطاع العام. ولتلبية هذه الاحتياجات العامة، تم إنشاء وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) وبرنامج منح الأراضي للجامعات التي تعنى بالأبحاث الزراعية في عام 1862.
ثالثاً، يحتاج القطاع الزراعي إلى مستوى مستمر وثابت من الابتكار. وان الآفات والأمراض التي تتطور باستمرار، وارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية، والظواهر المناخية القاسية هي بعض العوامل التي تهدد منتجي الصناعة. فعلى سبيل المثال، قدر تقرير عام 2023 الذي شاركت في تأليفه منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) أنه من المرجح أن ترتفع أسعار السلع الزراعية بنسبة 0.2 في المائة لكل زيادة بنسبة 1 في المائة في أسعار الأسمدة.
ويجب أن تكون الاستثمارات في مجال الابتكار الزراعي طويلة الأجل أيضًا. وذلك لأن الانتقال من الأبحاث إلى مرحلة التسويق، وتكييف التكنولوجيا لتلبية احتياجات المناطق المتعددة ولاستيفاء المبادئ التوجيهية الوطنية قبل تطبيق هذه التكنولوجيا في حقول المزارعين، كلها مسائل تستغرق وقتا طويلا. فعلى سبيل المثال، استغرق انتشار تطبيق تكنولوجيا الذرة الهجينة ما لا يقل عن 60 عامًا من تاريخ اكتشاف هذه التكنولوجيا.
رابعا، يجب تكييف الابتكار الزراعي مع الظروف الزراعية الإيكولوجية المحلية. ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة، فإن الأراضي المصنفة بأنها تنتمي إلى نفس المنطقة الزراعية الإيكولوجية تتمتع "بخصائص مشابهة من حيث المناخ والتربة وبإمكانات فيزيائية مماثلة للإنتاج الزراعي".
يوضح الشكل 3.2 كيف أصبح المبتكرون يعتمدون بشكل متزايد على الحماية التي توفرها الملكية الفكرية لاختراعاتهم، ويمكن استنتاج ذلك من خلال العدد الإجمالي للبراءات ونماذج المنفعة وأنظمة حماية الأصناف النباتية التي تحمي الابتكار الزراعي في جميع أنحاء العالم. ويتضمن المربع 2.3 مختلف صكوك الملكية الفكرية التي تحمي الاختراعات في القطاع الزراعي.
ان الابتكار في القطاع الزراعي واسع النطاق. وهو يشمل أدوات وآلات زراعية جديدة وتكنولوجيات رقمية تم تكييفها لتحسين جودة النباتات وأصنافها وأساليب الزراعة وأنظمة الري.
والبراءات ونماذج المنفعة والعلامات التجارية والمؤشرات الجغرافية والأسرار التجارية هي بعض أدوات الملكية الفكرية التي يمكن أن تحمي هذه التكنولوجيات الزراعية. وبالنسبة لأصناف النباتاتيوجد أيضًا انظمة خاصة لحمايتها في العديد من الولايات القضائية.
فعلى سبيل المثال، بالنسبة للابتكارات الوراثية المتعلقة بالمحاصيل والتي تتم بواسطة التكنولوجيات التقليدية أو التكنولوجيات الوراثية لاستيلاد النباتات، يجب دمج الابتكار الأصلي في الجبلة الجرثومية النباتية و/أو الأصناف المحسنة محليًا في المنطقة المستهدفة. ويعني ذلك أن المبتكر قد يحتاج إلى اعطاء التراخيص لأصحاب الجبلة الجرثومية النباتية أو أصحاب الأصناف، أو التعاون معهم لتطوير التكنولوجيا وتكييفها مع الظروف المحلية. ويؤدي شرط التكييف هذا إلى تكاليف وعقبات إضافية بالنسبة للمبتكرين الذين لديهم ميزانيات محدودة أو الغير قادرين على الاستفادة من المؤسسات الداعمة الا بشكل محدود.
تطور التكنولوجيا الزراعية يرتبط بالمراكز المعنية
يعتمد تطور التكنولوجيا الزراعية على السياق ويمكن استنتاج ذلك من خلال النظر عن كسب إلى مراكز التكنولوجيا الزراعية الثلاثة في دنفر في كولورادو (الولايات المتحدة)، وساو باولو (البرازيل)، ونيروبي (كينيا). فلكل مركز شروط وقيود وتحديات خاصة به، ويحصل أيضًا على مستوى دعم مختلف من القطاع العام وتسنح أمامه فرص مختلفة في السوق. وبالاضافة إلى ذلك، يضم كل مركز أنشطة ابتكار ومبتكرين ويتعاون مع المؤسسات المعنية، الامر الذي يسهل تبادل المعرفة التي تغذي منظومات الابتكار الخاصة بكل م����كز. وتحدد هذه العوامل، بالاضافة إلى قدرات الابتكار المحلية، كيفية تطور مسارات التكنولوجيا الزراعية.
ويختلف دور الزراعة في البرازيل وكينيا والولايات المتحدة وفقا لمستوى الدخل. ففي كينيا، تمثل الزراعة 33 في المائة من إجمالي القوى العاملة وتساهم بحوالي 21 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وفي البرازيل، يوظف هذا القطاع حوالي 10 في المائة من إجمالي القوى العاملة، ويمثل سبعة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. أما في الولايات المتحدة، فيعمل أقل من 2% من العمال في القطاع الزراعي، الذي يمثل أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي.
كولورادو، الولايات المتحدة: مركز للتكنولوجيا الزراعية بفضل بنيته التحتية لري المياه
بما أن الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للسلع الزراعية في جميع أنحاء العالم، فإن الفرص في الاسواق العالمية متاحة أمام منتجي التكنولوجيا الزراعية في الولايات المتحدة. ولذلك ليس من المستغرب أن تقدم الولايات المتحدة ابتكارات عديدة في هذا القطاع وأن تتقدم بطلبات لحماية البراءات المتعلقة باختراعاتها الزراعية داخل وخارج البلاد.
ويوضح الشكل 3.3 العدد الإجمالي للطلبات المودعة لاختراعات التكنولوجيا الزراعية في الولايات المتحدة للحصول على براءة، او براءة نباتات أو للحصول على الحماية بموجب انظمة حماية الأصناف النباتية.
وتُعد منطقة كولورادو ثاني أكبر مركز للابتكار الزراعي في الولايات المتحدة، وتحتل نيويورك المرتبة الثانية أيضا، أما وادي السيليكون فيحتل المرتبة الأولى.
واحدى أكبر الصعوبات التي تواجه كولورادو هي الوصول إلى المياه. وتشمل الابتكارات في مجال تكنولوجيا الري في الولاية، والتي بدأت منذ قرن تقريبا، جهاز "بارشال" ونظام الري المحوري، وكلاهما يستخدمان الآن في جميع أنحاء العالم. وكان مربو الماشية في كولورادو من بين أول من طوروا نظام التسمين المُركز لتسمين الأبقار بشكل فعال قبل ذبحها. وأصبحت كولورادو منطقة رئيسية للأبحاث حول الفضاء والأقمار الصناعية والغلاف الجوي، وذلك بسبب التركيز الإقليمي للمنشآت العسكرية الأمريكية والمختبرات الفيدرالية، مثل الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) والمركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي (NCAR)، والتي تضع نماذج للطقس وتتوقع الأحوال الجوية للزراعة وتطور تطبيقات معينة، مثل الاستشعار عن بعد.
والصناعة الزراعية هي من أكبر مستهلكي الموارد المائية في الولاية. وتم تطبيق بسهولة في كولورادو التقدم التكنولوجي في مجال تحسين الري وتطوير أصناف النباتات التي تتحمل الظروف الجوية، مثل نقص المياه، والتكنولوجيات التي تحسن فعالية استخدام المياه. فعلى سبيل المثال، شهدت كولورادو موجة جفاف شديدة في عام 2012. وقد أثر ذلك سلباً على نواتجها الزراعية. ولذلك، عندما تم طرح صنف الذرة المعدل وراثيًا والمقاوم للجفاف في عام 2012، وأصبح متاحًا في عام 2013، كانت كولورادو إحدى الولايات التي تبنته. وبحلول عام 2016، كانت 20 بالمائة من الذرة المزروعة في كولورادو من صنف الذرة المعدل وراثيًا.
وظهر مبتكرون أيضًا في اعداد السلع الزراعية، فقد أصبحت بعض الشركات الزراعية في المنطقة رائدة عالميًا في تصنيع الأغذية والمشروبات.
وإن منظومة الابتكار القوية في كولورادو هي ما يمكّنها من أن تكون مركزًا للتكنولوجيا الزراعية ورائدة في هذا المجال. وأدى التفاعل بين الإنتاج الزراعي واعداد السلع الأساسية وتصنيع الأغذية بالقرب من المستهلكين الموجودين في المناطق الحضرية والمخضرمين في التكنولوجيا، وأسواق التجزئة المتطورة بشكل متزايد، إلى خلق مجموعة فريدة من التحديات والتوترات والفرص لهذا المركز.
وبالاضافة إلى ذلك، فان مناخ كولورادو وامكانية الوصول إلى المواهب الجديدة، يجلب العديد من الشركات الزراعية وشركات البذور إلى المنطقة. وقد أنشأ عدد من الشركات الزراعية والغذائية العالمية مقرات رئيسية لعملياتها في الولايات المتحدة في كولورادو، بما في ذلك شركة "نوترين" (Nutrien)، أكبر منتج للبوتاس في العالم من كندا؛ وشركة "جي بي إس" JBS، أكبر شركة لتغليف اللحوم في العالم من البرازيل؛ وشركة "دانون"(Danone)، إحدى أكبر شركات تصنيع الألبان في العالم من فرنسا.
ساو باولو، البرازيل: منطقة رائدة في إنتاج الإيثانول
ان نمو الأعمال الزراعية في منطقة ساو باولو وإنتاج قصب السكر والإيثانول، ومجموعة المحاصيل المتخصصة مثل القهوة والفواكه الحمضية التي تتمتع بها، جعل من ساو باولو مركز مهم للتكنولوجيا الزراعية. ومنطقة ساو باولو مصنفة كغابة أطلسية، وبالتالي، تملك أرضًا خصبة لزراعة القهوة وقصب السكر.
ومنذ انطلاق البرنامج الوطني للكحول في البرازيل (Programa Proálcool) في عام 1975، تطورت ساو باولو من ولاية زراعية تنتج القهوة وقصب السكر بشكل أساسي لتصبح رائدة عالميًا في إنتاج الإيثانول. ويتم تصنيف بعض الإيثانول المنتج كوقود حيوي ويُستخدم كمصدر للطاقة المتجددة. وكان أحد العوامل المحفزة للتحول السريع في البرازيل إلى إنتاج قصب السكر هو الصقيع الشديد الذي أصاب محاصيل البن، والمعروف باسم الصقيع الأسود (
جيادا نيجرا)، في ولايتي بارانا وساو باولو في عام 1975.
وبما أن البرازيل هي واحدة من أكبر منتجي الإيثانول وأكثرهم قدرة على المنافسة في العالم، فإن مُصدِّريها يلبون طلب الاسواق العالمية على الوقود الحيوي. وفي الواقع، تكلفة إنتاج الإيثانول من قصب السكر أقل بنسبة 50 إلى 60 في المائة من إنتاج الإيثانول من الذرة.
وساهم ارتفاع الوعي البيئي مؤخرا، وخاصة في سوق الاتحاد الأوروبي، في تشجيع قادة الصناعة على التحول من إنتاج الإيثانول إلى إنتاج الإيثانول من الجيل الثاني (2G). وأحد أكبر الدوافع وراء هذا التحوّل هو استعداد المستهلك الأوروبي لدفع أسعار أعلى مقابل الحصول على الجيل الثاني من الإيثانول. وبالإضافة إلى ذلك، دفع الوعي البيئي قادة الصناعة إلى أن يصبحوا أكثر استعدادًا لاعتماد الزراعة الدقيقة من أجل الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية.
ويبين الشكل 3.4 كيف يعتمد المبتكرون البرازيليون بشكل مطرد على البراءات ونماذج المنفعة لحماية اختراعاتهم الزراعية. وهم يستخدمون ايضا نظام حماية الأصناف النباتية لحماية ابتكاراتهم في مجال التكنولوجيا الزراعية.
وتعتبر المراكز المتقدمة للابحاث الزراعية التي تستثمر في الابتكار الزراعي والقوة المتنامية للقطاع الخاص من العوامل التي ساهمت في تنمية هذا القطاع. وتعد ولاية ساو باولو موطنًا لأكبر عدد من مؤسسات الابحاث الزراعية في البرازيل، والبعض منها هو من بين أكثر المؤسسات انتاجا للمنشورات المتعلقة بالأبحاث الزراعية.
ويعد الافتقار إلى البنية التحتية المناسبة للطرق والتدخل الحكومي في تحديد الأسعار الوطنية للوقود الأحفوري من أكبر التحديات والقيود التي يواجهها منتجو الإيثانول البرازيليون.
وفي الوقت نفسه، تستضيف ساو باولو المقر الرئيسي لعدد من أكبر الشركات الزراعية في العالم. وقد أدى هذا الامر إلى ازدهار الشركات الزراعية الناشئة في المنطقة. وفي الواقع، تُعرف ساو باولو بأنها أكبر مركز للابتكار وريادة الأعمال في أمريكا اللاتينية. وبالاضافة إلى ذلك، تتمتع بنظام مالي ومصرفي ناضج نسبيًا، الأمر الذي يوفر رأس المال للشركات الناشئة التي هي بحاجة إليه بشدة.
نيروبي، كينيا: ابتكار مبني على استيلاد النباتات بالتعاون مع شبكة دولية للتكنولوجيا الزراعية
الإنتاج الزراعي في كينيا متنوع، والمنتجات الرئيسية للاستهلاك المحلي هي الذرة والقمح والأرز والفاصوليا، أما المنتجات الرئيسية للتصدير فهي الشاي والقهوة والسكر ومحاصيل البساتين مثل الزهور والفواكه والخضروات.
وطقسها المعتدل، وخصوبة التربة والتعرض الكافي لأشعة الشمس، وقربها من أوروبا، كل هذه العوامل جعلها أكبر منتج للزهور في أفريقيا. ونمت صادرات زراعة الأزهار الكينية بنسبة 300 في المائة بين عامي 1995 و2003 على الرغم من الركود في بقية المجالات الاقتصادية.
وتتمتع كينيا بتاريخ طويل في مجال استيلاد النباتات وقد قامت ببناء قدرتها الابتكارية في هذا المجال. وفي عام 2013، تم دمج أربعة معاهد للابحاث الزراعية في كينيا لانشاء منظمة كينيا للابحاث الزراعية والحيوانية (KALRO). والمعاهد الأربعة المعنية هي معهد كينيا للابحاث الزراعية السابق (KARI)، ومؤسسة أبحاث القهوة (CRF)، ومؤسسة أبحاث الشاي في كينيا (TRFK)، ومؤسسة كينيا لأبحاث السكر (KESREF). وتساهم برامج الدعم العام التي تقدمها الحكومة والاستثمارات في أنشطة البحث والتطوير وفي البنية التحتية، وتعاون الحكومة مع مراكز الابحاث الزراعية الإقليمية والدولية، في تعزيز الابتكار لتلبية الاحتياجات المحلية.
وأظهرت دراسة استقصائية أجرتها منظمة الأغذية والزراعة في عام 2007 كيف تمتلك كينيا بعض القدرات في مجال تطوير أصناف النباتات التقليدية وتلك المعدلة وراثيا.
ولقد تمكنت كينيا من الاستفادة من التطورات التي شهدتها منطقة أفريقيا لتطوير التعاون في مجال التكنولوجيا الزراعية. فقد تعاونت منظمة كينيا للابحاث الزراعية والحيوانية KALRO، من أجل بناء قدرات انتاج الأصناف النباتية، مع الشبكة الدولية الرئيسية للابتكار الزراعي في العالم، والمعروفة باسم مراكز أبحاث "المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية" (CGIAR) لخلق الأصناف النباتية التي تحتاج اليها.
وأحد الأمثلة على هذا التعاون الإقليمي هو عندما تم تدمير محصول الذرة في كينيا بسبب مرض نخر الذرة القاتل (MLN). وأدى المرض إلى خسارة المزارعين الكينيين ما بين 30 إلى 100 في المائة من إنتاج محصول الذرة في عام 2011. وكان هذا المرض كارثيا أيضا على منتجي الذرة الآخرين في منطقة أفريقيا. واستجابة "المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية" (CGIAR) لهذه الكارثة من خلال مركز أبحاث "المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح" (CIMMYT)التابع لها والذي قام بانتاج أربعة أصناف هجينة مشتقة مقاومة لمرض نخر الذرة القاتل. وقام المركز بتوزيع هذه الأصناف على الشركاء في القطاعين العام والخاص في شرق أفريقيا. وفي عام 2012، تعاون "المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح" (CIMMYT) مع منظمة كينيا للابحاث الزراعية والحيوانية (KALRO) والمنظمات الوطنية لحماية النباتات وشركات البذور التجارية لوقف انتشار المرض في جميع أنحاء منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا. ومن بين الجهات ا��أخرى التي شاركت في مواجهة هذا المرض نذكر: المعهد الدولي للزراعة الاستوائية (IITA)، والتحالف من أجل ثورة خضراء في أفريقيا (AGRA)، والمؤسسة الأفريقية للتكنولوجيا الزراعية (AATF)، ومؤسسات الابحاث المتقدمة في الولايات المتحدة وأوروبا. وبعد اقامة التجارب في كينيا على الصعيد الوطني، تم انتاج العديد من الأنواع الهجينة من صنف الجيل الثاني خلال فترة خمس سنوات بدءًا من عام 2013.
وبالإضافة إلى ذلك، ساعد التمويل المقدم من هذه المنظمات غير الربحية على تدريب المزارعين على الأصناف النباتية الجديدة وتعريفهم على فوائدها ونشرها.
ويوضح تعاون كينيا مع "المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية" (CGIAR) كيف تمكن مركز التكنولوجيا الزراعية هذا من بناء قدراته المحلية وتحوُّله إلى جهة رئيسية معنية باستيلاد الأصناف النباتية في المنطقة الأفريقية. أولاً، تستضيف عاصمتها نيروبي حرمين جامعيين لمراكز الأبحاث. وأحد مراكز الأبحاث هو مركز الأبحاث الحرجية الدولية والزراعة الحرجية العالمية (CIFOR-ICRAF) والآخر هو المعهد الدولي لأبحاث الثروة الحيوانية (ILRI). ثانياً، موقع نيروبي المركزي يجعلها مركزاً طبيعياً لتجارة وتوزيع المنتجات الزراعية في البلاد والقارة.
ثالثًا، يمكن أن يتغلب مركز التكنولوجيا الزراعية هذا على التحديات والقيود التي يواجهها من خلال تعاونه مع مراكز أبحاث "المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية" (CGIAR). وتشمل التحديات التي تواجهها كينيا صعوبة الوصول إلى أنظمة الري، وارتفاع تكلفة المدخلات الزراعية، بما في ذلك البذور والأسمدة، وصعوبة الحصول على التمويل. وحوالي 83 في المائة من الأراضي الكينية قاحلة أو شبه قاحلة وغير مناسبة للزراعة البعلية أو الإنتاج الحيواني المكثف. ويتم ري سبعة بالمائة فقط من الأراضي.
وتساعد المؤسسات العامة الدولية مثل المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية، بدعم من المنظمات غير الحكومية مثل المؤسسة الأفريقية للتكنولوجيا الزراعية (AATF)، مربي النباتات الكينيين على تربية محاصيل مقاومة للجفاف والإنهاك غير الحيوي. فعلى سبيل المثال، تعتبر الذرة محصولًا غذائيًا رئيسيًا في البلاد. وهي تمثل 40 في المائة من مساحة المحاصيل وأغلبية المواد الغذائية الأساسية المزروعة. ولكن محاصيل الذرة منخفضة. وللتغلب على هذه المشكلة، تعاونت منظمة كينيا للابحاث الزراعية والحيوانية (KALRO) مع "المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح" (CIMMYT) لتطوير مجموعة متنوعة من الذرة المقاومة للجفا�� واختبارها ومن ثم إقناع المزارعين الكينيين بزراعتها.
لا يعتمد مبتكرو التكنولوجيا الزراعية الكينيون على حماية الملكية الفكرية بنفس القدر الذي يعتمد عليه المبتكرون في الولايات المتحدة والبرازيل.
ويوضح الشكل 3.5 أن المبتكرين الكينيين لم يتقدموا بطلبات سوى لعدد قليل من البراءات ونماذج المنفعة خلال السنوات القليلة الماضية. ويرجع هذا جزئيا إلى إحجام المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية عن السماح للمبتكرين بتقديم طلبات للحصول على براءات لحماية أي ابتكار شاركت في تطويره. ولكن موقف المجموعة هذا يتغير ببطء. ومن جهة أخرى، كان اعتماد المبتكرين الكينيين على انظمة حماية الأصناف النباتية ثابتًا نسبيًا منذ أن وقعت كينيا على اتفاقية الاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية الجديدة (UPOV) في عام 2000.
زرع البذور: كيف يدفع الدعم العام تطوير التكنولوجيا الزراعية
تفسر حجة فشل السوق الناتج عن سماته المتعلقة بالمنافع العامة للابتكار الزراعي، السبب الذي يجعل القطاع العام لا يزال المساهم الأكبر في أنشطة البحث والتطوير الزراعي على مستوى العالم.
فالحكومات التي تستثمر بكثافة في الزراعة تشهد نمواً اقتصادياً أقوى، وانخفاضاً في معدلات الفقر، ووضع غذائي أفضل.
ووفقًا للتقرير العالمي (2020) بشأن مؤشر العلوم والتكنولوجيا الزراعية (ASTI) الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، بلغ إجمالي الإنفاق العالمي على أنشطة البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا الزراعية حوالي 47 مليار دولار أمريكي في عام 2016.
يعرض الشكل 3.6 حصة القطاعين العام والخاص في الإنفاق على أنشطة البحث والتطوير في الأعوام 1990 و2000 و2014 وفقا لمستويات دخل مختلفة.
يمكن تحديد ثلاث طرق رئيسية لتقديم الدعم الحكومي لبناء القدرات الابتكارية المحلية في مجال الزراعة. أولاً، تقوم الحكومات بتمويل أو إجراء الابحاث والمساعدة في نشر النتائج من خلال التعليم والإرشاد والتعاون في مجال التدريب ونقل التكنولوجيا إلى القطاع الخاص. ثانياً، تعمل الحكومات على تهيئة الظروف التمكينية التي توفر الحوافز والدعم للأنشطة الإبتكارية التي ينفذها القطاع الخاص. وثالثا، يمكن للحكومات أن تضع سياسات أو أهدافا لمهام معينة لتعزيز قدرات الابتكار في مجال الزراعة.
إجراء الأبحاث في مجال التكنولوجيا الزراعية
في المناطق الثلاث التي يتناولها هذا الفصل، لعبت الحكومات دورًا حيويًا في تمويل وإجراء الأبحاث الزراعية، بما في ذلك الأبحاث التي قد لا يكون لها عائد فوري.
ويعود صعود كولورادو لتصبح مركزا للابتكار الزراعي إلى استثمارات حكومة الولايات المتحدة في الزراعة التي بدأت في القرن التاسع عشر من خلال إنشاء جامعات حكومية زراعية ومراكز للتجارب الزراعية. وقدمت حكومة الولايات المتحدة وكل حكومة من حكومات الولايات (مثل حكومة كولورادو) أموالًا لدعم الابحاث في هذه الجامعات، وأنشأت أيضًا مؤسسات اتحادية للابحاث الزراعية، وتقوم الحكومة بإجراء أبحاثها الخاصة من خلال وزارة الزراعة الأمريكية.
وفي البرازيل، تعد الحكومة أكبر مصدر لتمويل الابتكار في مجال الزراعة. فالمؤسسة الوطنية للبحوث الزراعية (EMBRAPA)
والتي تعد الذراع البحثي لوزارة الزراعة البرازيلية،تُجري أبحاثًا في المناطق الأحيائية الشاسعة والمتنوعة في البلاد. وتتألف المؤسسة الوطنية للبحوث الزراعية EMBRAPA م�� مراكز أبحاث متعددة في جميع أنحاء البرازيل تركز على الاحتياجات الزراعية لكل منطقة.
ولعبت الجامعات ومؤسسات الابحاث التي ترعاها الحكومة دورًا اساسيًا في تحقيق مكاسب في الإنتاج الزراعي في ساو باولو. وساهمت في صعود ساو باولو لتصبح مركزًا للابتكار الزراعي، في مجال إنتاج السكر والإيثانول في المراحل الأولية. ومؤسستا الابحاث اللتان حصلتا على تمويل لإنتاج السكر والإيثانول في المرحلة لأولى هما جامعة الهندسة الزراعية في كامبيناس (IAC - Instituto Agronômico de Campinas) ومؤسسة أبحاث ولاية ساو باولو (FAPESP - Fundação de Amparo à Pesquisa do Estado de São Paulo). وأنشأت الحكومة أيضا البرنامج الوطني لتحسين قصب السكر (PLANALSUCAR – Programa Nacional de Melhoramento da Cana-de-Açúcar)، وهو برنامج حكومي لتطوير أصناف قصب السكر وتحسين غلات المحاصيل.
وقامت الحكومة أيضا بقيادة العمل على تطوير البذور، في حين قامت الشبكة المشتركة بين الجامعات لتنمية قطاع السكر والطاقة (RIDESA – Rede Interuniversitária para o Desenvolvimento do Setor Sucroenergético) بتطوير أصناف مختلفة من محاصيل قصب السكر لتلبية احتياجات البرازيل.
وأخيرا، استثمرت المؤسسة الوطنية للبحوث الزراعية EMBRAPA بكثافة في تعليم وتدريب القوى العاملة لديها من أجل بناء قدرات الابتكار في البلاد. وبين عامي 1974 و1982، خصصت المؤسسة الوطنية للبحوث الزراعية حوالي 20% من ميزانيتها للتعليم.
ويهدف مركز البحوث الزراعية في كينيا، KALRO، إلى توليد المعرفة المتعلقة بالمحاصيل الغذائية والتكنولوجيات والخدمات المبتكرة ونشرها. وعلى الرغم من خبرة البلاد الطويلة في مجال استيلاد النباتات، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى التعاون مع مراكز أبحاث "المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية" (CGIAR)، الحاصلة على الدعم والتمويل من المؤسسة الأفريقية للتكنولوجيا الزراعية (AATF) ومؤسسة بيل وميليندا جيتس وغيرها من المنظمات، حتى تتمكن البلاد من بناء قدرات الابتكار.
والمركز الدولي لتحسين الذرة والقمح (CIMMYT) هو أحد مراكز أبحاث المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية. ويتمتع المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح بإمكانية الوصول إلى شبكة الابتكار العالمية للباحثين الزراعيين في جميع أنحاء العالم. وهو يحافظ ايضا على التواصل مع شركات البذور الخاصة من خلال العمل على تطوير هجينة الإنهاك غير الحيوي في 17 دولة على مدار تسع سنوات.
وتلعب الحكومات أيضًا دورًا رئيسيًا في جمع المعلومات القيمة حول الابتكار الزراعي ونشرها. ففي كينيا، على سبيل المثال، قام المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح (CIMMYT) ومنظمة كينيا للابحاث الزراعية والحيوانية (KALRO) بتدريب الجهات الفاعلة في مجال الأعمال التجارية الزراعية كجزء من عملية إقناع المزارعين الكينيين بزراعة أصناف الذرة التي تتحمل الجفاف. وتمكنا من الوصول إلى أكثر من مليون مزارع في أفريقيا، ودخلا في شراكة مع 28 شركة بذور (أربع شركات كينية) وأقاموا حوالي 550 عرضًا ميدانيًا في كينيا. وأدت هذه الجهود إلى بيع 4500 طن متري من أصناف الذرة الذكية مناخيا، وتوزيع علب البذور على 10000 مزارع كيني.
تمكين الابتكار
تتأثر الاستثمارات الخاصة في الابتكارات الزراعية بالسياسات الحكومية وطلب السوق، سواء في البلد المنتج أو البلدان التي من المحتمل أن تستورد السلع المعنية. ومن الممكن أن تؤثر السياسات، بالإضافة إلى قرارات السوق االمتعلقة بالأسعار، على تخصيص الموارد. ومثل المزارعين، يقرر القطاع الخاص أي نوع من المحاصيل سيزرع وما هي التكنولوجيات التي سيعتمدها اليوم، استنادا إلى الأسعار المستقبلية المتوقعة للسلع الزراعية.
وبالتالي، يجب أن تسعى الحكومات إلى خلق الحوافز التي تساعد على التوفيق بين مصالح القطاع الخاص ومصالحها من أجل إحداث التغييرات أو تبني تكنولوجيات جديدة. ويمكن للحكومات استخدام عدة وسائل (يمكن تطبيقها من خلال وضع السياسات المناسبة) لتحقيق ذلك ومن بينها:
-
استخدام الحماية التي تؤمنها الملكية الفكرية لخلق شرط مسبق مهم للقطاع الخاص لبدء الاستثمار في الابتكار الزراعي. وفي الولايات المتحدة، كانت حماية الملكية الفكرية أحد العوامل التي حفزت القطاع الخاص على الاستثمار في الابتكار في مجال الزراعة. والعامل الآخر هو قانون بايه-دول الذي سنته الحكومة والذي يسمح للجامعات بالحصول على حقوق الملكية الفكرية للتكنولوجيات التي تم تطويرها باستخدام التمويل الفيدرالي.
-
توفير إمكانية الوصول إلى الائتمان لتسهيل التكيف مع التكنولوجيا الزراعية الجديدة واعتمادها لأنها قد تكون باهظة الثمن بالنسبة للمزارعين. أنشأت البرازيل النظام الوطني للائتمان الريفي لتوفير التمويل للزراعة التجارية لتشجيع استخدام التكنولوجيات الجديدة، مثل الأسمدة ومبيدات الحشرات والآلات الزراعية.
(41)رغم تعرُّض البرنامج لانتقادات بسبب تمويله كبار المزارعين في المنطقة الوسطى والجنوبية من البرازيل الذين يركزون على السلع التي سيتم تصديرها، تمكن هذا البرنامج من توفير الزخم اللازم لتحقيق هدفه المعلن (Mueller and Mueller, 2016). Mueller, B. and C. Mueller (2016). The political economy of the Brazilian model of agricultural development: Institutions versus sectoral policy. The Quarterly Review of Economics and Finance, 62, 12–20. DOI: https://doi.org/10.1016/j.qref.2016.07.012; Corcioli, G., G. da S. Medina and C.A. Arrais (2022). Missing the target: Brazil's agricultural policy indirectly subsidizes foreign investments to the detriment of smallholder farmers and local agribusiness. Frontiers in Sustainable Food Systems, 5. Available at: www.frontiersin.org/articles/10.3389/fsufs.2021.796845; Medina, G. da S. and A.P. dos Santos (2017). Curbing enthusiasm for Brazilian agribusiness: The use of actor-specific assessments to transform sustainable development on the ground. Applied Geography, 85, 101–112. DOI: https://doi.org/10.1016/j.apgeog.2017.06.003. -
ويمكن للاستثمارات في البنية التحتية مثل النقل البري والسكك الحديدية والموانئ أن تقلل بشكل كبير من تكلفة نقل السلع الزراعية من المزرعة إلى السوق، بالاضافة إلى تسهيل نمو هذا القطاع. وقد توصلت إحدى الدراسات، التي تناولت ما يسمى بـ"معجزة سيرادو" في البرازيل، إلى أن زيادة بنسبة 1% في الطرق المعبدة أدت إلى زيادة في إنتاج المحاصيل بنسبة أعلى بقليل من 1% وارتفاع إنتاج الماشي�� بنسبة 1.11%.
(42)Rada, N. (2013). Assessing Brazil’s Cerrado agricultural miracle. Food Policy, 38, 146–155. DOI: https://doi.org/10.1016/j.foodpol.2012.11.002.
تنفيذ السياسات الزراعية ذات الأهداف المحددة
كما أشرنا اليه سابقا، مهدت المهمة الزراعية للولايات المتحدة التي نفذتها في القرن التاسع عشر الطريق لبناء قدرات الابتكار الخاصة بها في هذا القطاع. وكان الهدف من السياسات ذات الأهداف المحددة هو تشجيع البحث عن حلول للتحديات الزراعية في المنطقة وتدريب الباحثين والمزارعين على كيفية استخدام التكنولوجيا الزراعية. واليوم، يُعد القطاع الخاص مسؤولا عن معظم الابتكارات في مجال الزراعة في الولايات المتحدة.
وقد تم دعم ساو باولو لبناء القدرات المحلية المتعلقة بإنتاج قصب السكر والتكرير الحيوي للإيثانول بشكل سريع نسبيا من خلال الإنفاق العام. وقدم برنامج الكحول الوطني في البلاد
(Programa Proálcool)حوافز مالية لتشجيع الشركات على إنتاج الإيثانول لاستخدامه كوقود، ودَعم أيضا سعر وقود الإيثانول وخفض الضرائب على المستهلكين الذين اشتروا الإيثانول لسياراتهم.
ومن المرجح أن يتوسع تخصص التكنولوجيا الزراعية الكينية في استيلاد النباتات بعد أن رفعت الحكومة الحظر الذي فرضته على استيراد الأغذية المعدلة وراثياً في عام 2015. وأحد اسباب هذا الحظر هو أن العديد من الاقتصادات الأكثر ثراءً التي تشتري الصادرات الكينية تُحظ�� استيراد المحاصيل المعدلة وراثياً. وسمحت الحكومة أيضًا باجراء الابحاث على المحاصيل المعدلة وراثيًا. و��الإضافة إلى ذلك، سنت حكومة كينيا العديد من القوانين الخاصة بالزراعة والتي تهدف إلى مواصلة التقدم في تحويل ��لق��اع الزراعي في البلاد.
وفي الوقت نفسه، تؤثر السياسات الحكومية غير الزراعية في كل من البلدان المنتجة للزراعة وكذلك البلدان المستوردة للزراعة على الابتكار الزراعي داخل البلد وفي الاسواق العالمية. وتلعب المعايير والسياسات المتعلقة بالتدابير الصحية وتدابير الصحة النباتية ومبادرات الاستدامة (بما في ذلك الوقود الحيوي وسلامة الأغذية) دورًا مهمًا في أنواع الابتكار الزراعي التي يتم اعتمادها في الأراضي الزراعية.
قطف ثمار النجاح: عندما توجّه شروط التملك والقدرات المحلية وفرص السوق المسار
على الرغم من أن الحكومات قد تكون أكبر الداعمين لتطوير التكنولوجيا الزراعية، إلا أنها ليست بالضرورة من بين المستخدمين التجاريين الرئيسيين للتكنولوجيا الزراعية أو من بين المنتجين الرئيسيين لها. وهنا يأتي دور القطاع الخاص في تحديد فرص السوق في القطاع الزراعي واستغلالها. وإن فرص السوق هي التي تدفع استثمارات القطاع الخاص وجهود التسويق إلى تطوير التكنولوجيا الزراعية. ولكن قدرتها على القيام بذلك تختلف وفقًا للظروف والقيود المحددة التي يواجهها كل مركز. ويعتمد ذلك أيضًا على الإمكانات الموجودة والمترابطة المتوفرة على الصعيد المحلي.
أولاً، يجب أن توفر شروط التملك المحلية حوافز كافية للقطاع الخاص للابتكار في مجال الزراعة. وفي الولايات المتحدة، ساهم قانون بايه-دول والعديد من أدوات حماية الملكية الفكرية في تشجيع الشركات الخاصة على قبول المخاطر الناجمة عن تبني الابتكارات التكنولوجية الجديدة وتسويقها. ونتيجة لذلك، تعاونت الشركات الناشئة وشركات البذور الكبيرة مع مؤسسات البحث العامة والجامعات لتسويق المحاصيل المعدلة وراثيا.
ثانياً، يساهم وجود مراكز أبحاث زراعية قوية ومجتمعات زراعية مزدهرة وشركات ريادة الأعمال، وال��ي تعمل بالتعاون مع المؤسسات وتستخدم البنى التحتية المناسبة، في تعزيز قدرة الابتكار المحلية. ويؤدي مزاولة هذه الأنشطة المبتكرة في مواقع م��تركة مثل مراكز التكنولوجيا الزراعية هذه، إلى انتشار المعرفة والدراية في القطاع، إما من خلال قطاعات القيمة الأخرى الموجودة على طول سلسلة القيمة الزراعية أو في مجال مرتبط أو مجاور.
ثالثا، تعتمد قدرة منظومة الابتكار المحلية على استغلال القدرات المحلية للاستفادة من فرص السوق على عوامل كثيرة. والعامل الرئيسي هو مدى تنوع قدراتها المحلية ومستوى حنكتها ومدى ترابطها وندرتها.
وكما هو موضح في الفصل الثاني من هذا التقرير، تميل البلدان التي تتمتع بامكانيات أكبر لتغيير مسارها التكنولوجي إلى أن تكون لديها منظومات ابتكار تتسم بمستوى عال جدا من الحنكة. ويمكن ملاحظة ذلك في جميع مراكز التكنولوجيا الزراعية الثلاثة قيد المناقشة.
ويقارن الشكل 3.7 بين قدرات الابتكار المختلفة لمراكز التكنولوجيا الزراعية الثلاثة في عامي 2004 و2020. ويتم قياس ذلك باستخدام أبعاد القدرات الثلاثة المقدمة في الفصل الثاني، وهي التجارة والمنشورات العلمية وطلبات البراءات. ويوضح الشكل كيف تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى من خلال امتلاك أعلى مستوى من القدرات في مجالات شديدة الحنكة، تليها البرازيل وكينيا. ولقد طوّرت كل من كينيا والبرازيل قدراتهما الابتكارية، ولهذا السبب أظهرتا قدارت تتمتع بمستوى معيّن من الحنكة.
وتنعكس هذه المستويات العامة لقدرات الابتكار في تخصص التكنولوجيا الزراعية لكل مركز.
ويبين الشكل 3.8 القدرات المتعلقة بالتكنولوجيا الزراعية ويوضح كيف يختلف التوزيع بين الإمكانات البسيطة وتلك التي تتمتع بمستوى عال من الحنكة. وتقع معظم قدرات كينيا في مجال التكنولوجيا الزراعية ضمن النطاق البسيط، ويعني هذا الأمر أن القدرات التي تمكنت من اك��سابها موجودة أيضًا في بلد��ن أخرى. وبين عامي 2004 و2020، تمكنت البرازيل من بناء قدرات أكثر حنكة في مجال التكنولوجيا الزراعية. وتتمتع الولايات المتحدة بالقدرات الأكثر حنكة، حتى في المجالات الخاصة بالتكنولوجيا الزراعية.
كولورادو هي مركز رائد لانتاج التكنولوجيا الزراعية
يتسم اقتصاد الولايات المتحدة بشكل عام بالريادة في مجال الابتكار؛ وينطبق ذلك أيضا على قطاع التكنولوجيا الزراعية حيث تلعب الولايات المتحدة دورا رائدا فيه.
ويقارن الشكل 3.9 قدرات هذا الاقتصاد في الأبعاد العلمية والتكنولوجية والإنتاجية بين عامي 2004 و2020 ويوضح ترابط المجالات التي تم التخصص فيها وتقاربها. وتتمتع الولايات المتحدة بالمعرفة اللازمة لتطوير تكنولوجيات نادرة ومتطورة، ويفسر ذلك سبب كون هذه الدولة أكبر مصدر للمنتجات الزراعية في العالم.
فلنأخذ على سبيل المثال مركز التكنولوجيا الزراعية في كولورادو. تعد ولاية كولورادو الأولى في مجال الأبحاث وهي تتلقى تمويلًا من وزارة الزراعة الأمريكية في الولايات المتحدة. وفي عام 2011، حصلت على ثالث أعلى تمويل من وزارة الزراعة الأمريكية، بعد كاليفورنيا وتكساس. وكولورادو هي موطن للعديد من المختبرات التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية. ولدى الجامعات في كولورادو برامج مهمة في مجال العلوم الحيوية والموارد المائية والعلوم الزراعية وعلوم الأغذية، مما يجعل الولاية من بين الرواد الإقليميين في المعرفة الزراعية والغذائية. ووفقًا لاحصاءات تم اجراؤها حديثا، تعد كولورادو أيضًا موطنًا لـ 550 مبتكرًا زراعيًا، من بينهم 460 شركة تابعة للقطاع الخاص (شركات تجارية وشركات ناشئة) و90 مؤسسة عامة (فدرالية وحكومية ومحلية).
وبصفتها مركزًا للتكنولوجيا الحيوية، تمكنت الولايات المتحدة من بناء قدراتها المحلية من خلال التفاعلات بين مركز ابحاثها العام الهام ومؤس��اتها، من ناحية، والقطاع الخاص الذي تم تحفيزه، من ناحية أخرى. وساعدت شروط التملك، مثل الحماية الممنوحة بواسطة الملكية الفكرية، على تسهيل استثمارات القطاع الخاص في أنشطة البحث والتطوير الزراعي.
وسهل عاملان تسويق التكنولوجيا الحيوية الزراعية منذ بداية الثمانينات فصاعدا. وأول عامل هو منح البراءات لحماية النباتات المعدلة وراثيا. أما الثاني فهو سن قانون بايه-دول الذي يسمح بايداع طلبات البراءات لحماية الأبحاث الممولة من القطاع العام. وبعد توفر هذين العاملين، سارعت مختبرات الأبحاث الناشئة إلى تطبيق التكنولوجيا الحيوية في مجال الزراعة. وبعد ذلك، بدأت شركات البذور والكيماويات والأسمدة والمبيدات الحشرية في اعتماد هذه التكنولوجيا.
ساو باولو تعتمد على قدراتها وأسعارها المتميزة للتحول إلى إنتاج الإيثانول المستدام
تمكنت البرازيل من بناء مركزها للتكنولوجيا الزراعية وانتقلت من كونها بشكل اساسي مستورداً للسلع الزراعية إلى منتج للإيثانول على مستوى عالمي. وحققت ذلك من خلال الدعم الحكومي القوي ودخول القطاع الخاص في الصناعة عندما بدأت مرحلة النضج. ويمكن ملاحظة هذا التطور في الشكل 3.10 الذي يوضح كيف قامت البرازيل ببناء قدرات الابتكار الخاصة بها بين عامي 2004 و2020.
ونفذت الحكومة البرازيلية في البداية البرنامج الوطني للكحول لتقليل اعتمادها على النفط كمصدر للطاقة. ومن خلال برامج مختلفة مصممة للتأثير على الطلب والعرض على الإيثانول، تمكنت الحكومة من زيادة إنتاج قصب السكر في البرازيل. واستوردت الحكومة التكنولوجيا من شركة فورد الأمريكية من أجل إنتاج سيارات تعمل على الإيثانول.
وقد أدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط إلى مواجهة البرنامج العديد من الصعوبات لا سيما فيما يتعلق بالحفاظ على استمراريته. ولكن اختراع المركبات التي تعمل على نوعين من الوقود (البنزين والإيثانول) في عام 2003 شجع على اعادة استخدام الإيثانول لتشغيل السيارات. اذ يمكن للمستهلكين ملء خزاناتهم إما بالإيثانول أو البنزين، اعتمادًا على أيهما أرخص. وبحلول عام 2010، أصبحت المركبات التي تعمل على نوعين من الوقود تمثل 86% من المركبات الخفيفة في البرازيل.
وفي نفس الفترة تقريبًا، تجدد اهتمام الحكومة بإنتاج الإيثانول. وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط وتزايد تقبل استخدام مصادر الطاقة المتجددة ببطء. وفي هذه المرحلة، كان عدد قليل من الشركات المحلية ينتج الإيثانول باستخدام تكنولوجيا الجيل الأول.
وكان التحول نحو اعتماد تكنولوجيا الجيل الثاني مدفوعًا باهتمام الاسواق الأوروبية، علما ان الإيثانول الأقل تلويثًا كان سعره أعلى. وتعتبر تكنولوجيا الجيل الثاني من الإيثانول جديدة في البرازيل. وتستخدم تكنولوجيا الجيل الثاني من الإيثانول تكنولوجيا الجيل الأول الحالية والن��ايات الناتجة عنها لإنتاج الإيثانول، وبالتالي تُقلّل من النفايات وتساعد في الحد من تغير المناخ.
وإن إنتاج الإيثانول الحيوي على نطاق واسع باستخدام تكنولوجيا الجيل الثاني من الإيثانول أمر محفوف بالمخاطر، حتى مع الدعم الحكومي. فمن بين مصانع الإيثانول الحيوي الستة الكبيرة التي تم إنشاؤها في جميع أنحاء العالم في عام 2000، لا يزال اثنان فقط قيد التشغيل. وكلاهما في البرازيل.
تعتمد نيروبي على مراكز البحوث الزراعية ومنصتها المصرفية المبتكرة التي تستند إلى شبكة الهاتف المحمول
تعد قدرات الابتكار المحلية في كينيا أقل تنوعًا وترابطا وندرة من تلك الموجودة في المركزين الآخرين للتكنولوجيا الزراعية. ويوضح الشكل 3.11 كيف أن معظم القدرات الكينية هي قدرات بسيطة. ورغم ذلك، تظهر البيانات الحديثة أنها تمكنت من رفع مجموعة قدراتها إلى الأعلى واكتسبت قدرة واحدة في علم المناعة تتمتع بمستوى مرتفع من الحنكة والتي يمكن تطبيقها في المستقبل للحفاظ على صحة الحيوانات على سبيل المثال.
ومن ناحية أخرى أدى تطور منصة الخدمات المصرفية التي تستند إلى شبكة الهاتف المحمول M-PESA في مركز التكنولوجيا الزراعية في نيروبي إلى تحسين سلسلة القيمة الزراعية الكينية بشكل بطيء. فبدعم من هيئة الاتصالات الكينية، تم اعتماد نظام M-PESA بسرعة في جميع أنحاء كينيا. وتم إتاحته للعملاء الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى المؤسسات المالية او يصعب عليهم الوصول اليها، والذين يعيشون بمعظمهم في مناطق نائية، ويتمتعون بمستوى منخفض من التعليم ويواجهون التحديات المتعلقة بالأمن المالي. وتستفيد منصة M-PESA من تكنولوجيا الهاتف المحمول من خلال اتاحة التحويل النقدي الإلكتروني الآمن بواسطة خدمات الرسائل القصيرة (SMS) المتوفرة على جميع الهواتف المحمولة التي تحتوي على بطاقة "سيم" SIM تقريبًا. وبما أن الهواتف المحمولة منتشرة في كينيا، بسبب البنية التحتية للاتصالات الضعيفة نسبيًا، فقد كان من السهل على الناس تبني هذه التكنولوجيا والتكيف معها.
وساهمت منصة M-PESA في إحداث تغييرات جذرية في سلسلة القيمة الزراعية. فهي توفر إمكانية الوصول إلى التمويل والائتمان للمنتجين الزراعيين وتقدّم فوائد عديدة .
التحدي الجديد: تكييف التكنولوجيات الرقمية الجديدة
أحد التحديات الكبيرة في قطاع الزراعة هو كيفية الاستمرار في توسيع الإنتاج وفي نفس الوقت تحسين الاستدامة. ورغم أن تغير المناخ يؤدي إلى ظروف مناخية متطرفة تهدد سبل العيش، هناك إجماع على أن العالم يحتاج إلى أن تكون الإمدادات الغذائية أكثر استدامة.
ويشكل تغير المناخ قضية مهمة وملحة تؤثر على الجهود المبذولة لتوسيع الإنتاج الزراعي على مستوى العالم. ولكن أنشطة الابتكار التي أدت إلى تحسين الإنتاجية الزراعية (فيما يتعلق بالمحاصيل والثروة الحيوانية)، تساهم أيضًا في تدهور التربة وتلوث المياه وانبعاثات الغازات الدفيئة.
وإحدى الطرق للحد من النفايات والانبعاثات الناتجة عن الزراعة هي اعتماد التكنولوجيات الدقيقة. والزراعة الدقيقة هي احد مجالات التكنولوجيا الزراعية التي تركز على استخدام التكنولوجيات الرقمية التي تجمع بيانات كثيرة لتحسين الظروف والعمليات الزراعية.
وتحتوي المراكز الزراعية الثلاثة التي ناقشناها سابقًا على عدد كبير من الشركات الناشئة المتخصصة في التكنولوجيات الدقيقة. وتتكون منظومة الابتكار في كولورادو من مجموعة واسعة من مؤسسات الابحاث التابعة للقطاع العام والشركات التجارية ومجتمعات الشركات الناشئة النابضة بالحياة. وتركز بعض هذه الشركات الناشئة الجديدة على الاستفادة من أحدث موجة من التكنولوجيات الرقمية وتكييفها لتلبي احتياجات القطاع الزراعي. وتستضيف ساو باولو المقر الرئيسي لبعض أكبر الشركات الزراعية في العالم، وقد أدى ذلك إلى ازدهار الشركات الزراعية الناشئة في المنطقة. وفي الواقع، تُعرف ساو باولو بأنها أكبر مركز للابتكار وريادة الأعمال في أمريكا اللاتينية. وبالاضافة إلى ذلك، تتمتع بنظام مالي ومصرفي ناضج نسبيًا، الأمر الذي يوفر رأس المال للشركات الناشئة التي هي بحاجة إليه بشدة.
ومن ناحية أخرى، تُعرف نيروبي باسم "سيليكون سافانا" بسبب منظومتها التي تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا.
وبالتالي فإن هذه المراكز الثلاثة مجهزة بطريقة جيدة لتكييف التكنولوجيات الزراعية الرقمية وتغيير مسارات تخصصها في مجالات التكنولوجيا الزراعية مرة أخرى.
خاتمة
تعتبر الزراعة عنصرا أساسيا في تلبية احتياجاتنا الملحة للأمن الغذائي والتغذية والاستدامة. وهي تلعب أيضا دورا هام���� في تحقيق التنمية والنمو المستدامين.
وقد تُحسّن زيادة الإنتاج الزراعي حياة ملايين الأشخاص الذين يعيشون حاليا في الفقر. وتُظهر العديد من الدراسات كيف يمكن للنمو في الزراعة أن يحسن مستويات الدخل، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين الصحة والتغذية وامكانية الوصول إلى التعليم. ومن بين النتائج التي سلطت هذه الدر��سات الضوء عليها نذكر: مكاسب تقدر بنحو 25 مليار دولار أمريكي في جميع أنحاء بنغلاديش وإندونيسيا والفلبين نتيجة اعتماد أصناف الأرز الحديثة ومكاسب تصل إلى حوالي 140 مليون دولار أمريكي للمزارعين الإثيوبيين الذين اعتمدوا اصناف مُحسّنة من الذرة. واستفاد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر من معظم هذه المكاسب.
ولذلك ليس من المستغرب أن تلعب الزراعة دورًا محوريًا في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDGs)، اذ يمكن تحسين 15 هدف من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر من خلال النمو في قطاع الزراعة.
ويعكس تطور مراكز التكنولوجيا الزراعية الثلاثة التي ناقشناها، وهي دنفر في كولورادو (الولايات المتحدة) وساو باولو (البرازيل) ونيروبي (كينيا)، كيف تمكنت هذه المراكز من البناء على القدرات المحلية والمترابطة، من أجل التخصص في مجالات التكنولوجيا الزراعية المختلفة. فقد شهد كل مركز تقدماً في بناء القدرات والخبرات التكنولوجية مع مرور الوقت. وتمكن مركز دنفر الأكثر تقدمًا، من الاستفادة من التكنولوجيات المتاحة والمترابطة ليصبح رائدًا عالميًا في القطاع الزراعي وهو يملك العديد من التخصصات في العديد من مجالات التكنولوجيا الزراعية.
وهناك ثلاث نقاط مهمة يمكن استخلاصها من هذه المراكز:
-
ترتبط ابتكارات التكنولوجيا الزراعية بالسياق وبالظروف الزراعية الإيكولوجية للمنطقة. فقد أثر مناخ المناطق المعنية والبنية التحتية المتاحة بشكل ايجابي او سلبي على مسارات التكنولوجيا الزراعية في دنفر - كولورادو (الولايات المتحدة)، وساو باولو (البرازيل)، ونيروبي (كينيا). ويعد التقدم التكنولوجي في مجال الري أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت دنفر تتحول إلى مركز للتكنولوجيا الزراعية. وأعطت البنية التحتية للطرق في ساو باولو الأفضلية لها على المناطق الأخرى في البرازيل لتصبح مركزا لإنتاج السكر في البلاد. أما بالنسبة لنيروبي، فقد ساهم موقعها المركزي في أفريقيا واحتضانها لمركزي ابحاث تابعَيْن للمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية، في جعلها مركزا للابتكار للقارة بأكملها.
-
ويلعب القطاع العام دوراً هاماً في الاستثمار في الابتكار الزراعي في المراحل الأولية. وفي الولايات المتحدة والبرازيل وكينيا، أثبت القطاع العام دوره الفعال في المساعدة على بناء القدرات الأساسية اللازمة للابتكار في الأنشطة الزراعية.
-
وبمجرد الوصول إلى مستوى معين من القدرة على الابتكار، وتوافر شروط التملك الكافية، تصبح مؤسسات القطاع الخاص قادرة على لعب دور أكثر اهمية في مجال الاستثمار في الابتكار الزراعي. ويمكن ملاحظة ذلك في مراكز التكنولوجيا الزراعية في دنفر وساو باولو. وفي نيروبي، أدت منصة الخدمات المصرفية التي تستند إلى شبكة الهاتف المحمول M-PESA إلى ظهور شركات رقمية ناشئة تطبق التكنولوجيات الرقمية في قطاع الزراعة. وتقدم هذه الشركات الناشئة خدمات تساهم في التغلب على بعض التحديات التي يواجهها المزارعون الكينيون وتساعد على تحسين الإنتاجية.
وأحد أكبر التحديات في مجال الزراعة هو كيفية إطعام حوالي 10 مليارات شخص على مستوى العالم بحلول عام 2050، اي حوالي ملياري شخص اكثر من عدد الأشخاص على قيد الحياة اليوم.
الآثار المترتبة على السياسات
قد تساعد ثلاثة توجهات عامة للسياسات على ضمان استمرار الابتكار في الزراعة في دعم احتياجات سكان العالم وتغذيتهم:
أولا، ينبغي للاستثمارات في الابتكار الزراعي أن تكون مستمرة ومتسقة وطويلة الأجل. ورغم أن جني الفوائد قد يستغرق بعض الوقت، إلا أن هذا الأمر يعود بالفائدة على الجميع.
ثانياً، يمكن للموجة الجديدة من التكنولوجيات الرقمية أن تساعد في تحقيق النمو المستدام في قطاع الزراعة. وقد تكون الحكومات مهتمة ببناء البنية التحتية اللازمة لتسهيل اعتماد هذه التكنولوجيات والاستثمار في البنية التحتية لتحسين سلسلة القيمة الزراعية.
ثالثا، تستطيع الحكومات أن تتبنى سياسات تساعد على تشجيع استثمارات القطاع الخاص في الصناعة الزراعية. ويشمل ذلك وضع شروط تملك كافية من شأنها أن تمكن القطاع الخاص من الاستفادة من الاستثمار في الابتكار الزراعي، وقد يخلق الاقتصاد المراعي للشركات الناشئة الظروف الملائمة لها لاستغلال فرص السوق لتطوير هذا القطاع.