الأغذية الزراعية: بحث في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا

في سبتمبر 2024، أصدرت الويبو تقرير واقع البراءات بشأن الأغذية الزراعية، الذي يحلل الاتجاهات العالمية للبراءات والتكنولوجيات الناشئة في قطاع الأغذية الزراعية. والآن، نحول اهتمامنا إلى منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا لاستكشاف مشهد البراءات في هذه المنطقة. على الرغم من أن نشاط تسجيل البراءات في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا منخفض نسبياً مقارنةً بالعديد من المناطق الأخرى في العالم، إلا أن قطاع الأغذية الزراعية يعد حيوياً في المنطقة لأنه يدعم الأمن الغذائي ويحافظ على سبل عيش الملايين ويحرك النمو الاقتصادي في أحد أكثر المراكز الزراعية حيوية في العالم. فمن الذي يودع طلبات البراءات المتعلقة بالأغذية الزراعية في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا؟ ومن هم المبتكرون في هذه المنطقة؟ وبالمقارنة مع الاتجاهات العالمية، ما هي التقنيات التي تحضى بالاهتمام؟

يُظهر قطاع الأغذية الزراعية في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا حصة عالمية أعلى من نشاط تسجيل البراءات، سواء في الإيداعات كسوق مستهدفة أو في الاختراعات المولدة محلياً، مقارنة بالمتوسط العام في جميع المجالات التقنية

وفي منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا، بلغ العدد الإجمالي لعائلات البراءات المودعة في قطاع الأغذية الزراعية 664 47 عائلة، وهو ما يمثل 1.27% من مجموع عائلات البراءات في قطاع الأغذية الزراعية عالمياً. وهذه النسبة أعلى من حصة منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا من عائلات البراءات في جميع المجالات التكنولوجية على مستوى العالم، وهي 0.62%.

وعلاوة على ذلك، يبلغ عدد عائلات البراءات المتعلقة بالأغذية الزراعية التي جرى اختراعها في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا 185 14 عائلة، وهو ما يشكل 0.38% من مجموع عائلات البراءات العالمية في مجال الأغذية الزراعية. ويتجاوز هذا الرقم كذلك حصة منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا من عائلات البراءات المُخترعة في جميع المجالات التكنولوجية على مستوى العالم، والتي تبلغ 0.22%.

وتُظهر هذه الأرقام أن حضور قطاع الأغذية الزراعية في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا على الصعيد العالمي، سواء كسوق مستهدفة أو كمصدر للاختراع، يفوق المتوسط في جميع المجالات التكنولوجية.

تجاوزت أنشطة إيداع طلبات البراءات في مجال الأغذية الزراعية في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا بكثير أنشطة الاختراع المحلية، مما يعكس الاهتمام العالمي الكبير بإمكانيات السوق في المنطقة

شهدت منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا إيداع ما مجموعه 240 32 عائلة براءة متعلقة بالتكنولوجيا الزراعية، وهو رقم أعلى بمقدار 4.3 أضعاف من عائلات البراءات المتعلقة بالتكنولوجيا الزراعية التي جرى اختراعها في المنطقة والبالغ عددها 7435. وبالمثل، جرى إيداع نحو 114 19 عائلة براءات تتعلق بالتكنولوجيا الغذائية، وهو ما يعادل 2.5 ضعف عائلات البراءات المتعلقة بالتكنولوجيا الغذائية التي جرى اختراعها محلياً والبالغ عددها 7765 عائلة. وتلقي هذه الأؤقام الضوء على أن مقدمي طلبات الحصول على البراءات خارج المنطقة يولون أهمية كبيرة لسوق الأغذية الزراعية في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا.

ومن بين المجالات الفرعية البالغ عددها 23 مجالاً في قطاع الأغذية الزراعية، يبدي مقدمو طلبات البراءات العالميون اهتماماً أكبر بالمجالات المتقدمة مثل الروبوتات والطائرات بدون طيار، وتكييف المحاصيل وعلم الوراثة والزراعة الدقيقة، في حين يبقى الابتكار المحلي محدوداً نسبياً. وفي المقابل، ينشط المبتكرون المحليون أكثر في المجالات الفرعية مثل إدارة التربة والأسمدة وتكنولوجيا الأغذية

وفي المجالات الفرعية مثل الروبوتات والطائرات بدون طيار، وتكييف المحاصيل وعلم الوراثة، والزراعة الدقيقة، تبلغ نسبة البراءات المودعة في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا من مجموع البراءات المخترعة في المنطقة 8.5 و8.4 و7.0 على التوالي. ويشير هذا إلى أن الشركات خارج المنطقة مهتمة بشكل رئيسي بالسوق المحلية لهذه التكنولوجيات، في حين يبقى الابتكار المحلي في هذه المجالات محدوداً نسبياً.

وفي المقابل، في المجالات الفرعية لإدارة التربة والأسمدة، وتكنولوجيا الأغذية، وكيمياء الأغذية، فإن نسب البراءات المودعة في المنطقة مقارنة بالاختراعات محلية المنشأ أقل، حيث تبلغ 2.0 و2.3 و2.4 على التوالي. ويشير هذا إلى أنه في حين أن طلبات البراءات الأجنبية لا تزال تفوق الابتكارات المحلية في هذه المجالات، فإن المبتكرين المحليين أكثر نشاطاً نسبياً مقارنة بالمجالات التكنولوجية الأخرى.

يقارن مؤشر التخصص النسبي (RSI) بين نشاط بلدين أو أكثر في مجال التكنولوجيا نفسه من حيث البراءات المنشورة. ومؤشر التخصص النسبي هو مقياس لحصة بلد ما من عائلات البراءات في مجال تكنولوجي معين بالنسبة إلى حصة ذلك البلد من عائلات البراءات في جميع مجالات التكنولوجيا. وبعبارة أخرى، يتميز مؤشر التخصص النسبي بميزة توفير مقارنة بين نشاط تسجيل البراءات في بلدين في مجال تكنولوجي ما بالنسبة إلى نشاط تسجيل البراءات الإجمالي لتلك البلدان. والفائدة من ذلك هي تسليط الضوء على البلدان التي لديها تخصص أكبر في مجال التكنولوجيا المدروسة أكثر مما هو متوقع من المستوى العام لتسجيل البراءات.

واستناداً إلى مؤشر التخصص النسبي لبلدان رابطة أمم جنوب شرق آسيا في جميع المجالات الفرعية للأغذية الزراعية، تُظهر الفلبين وإندونيسيا أعلى مؤشر تخصص نسبي في مجالات سلاسل الإمداد والتوريد وكيمياء الأغذية وتكنولوجيا الأغذية. ويرتبط ذلك ارتباطاً وثيقاً بالمشاركة الفعالة للجامعات والمؤسسات البحثية المحلية في أنشطة تسجيل البراءات.

من ناحية أخرى، تُظهر سنغافورة أعلى مؤشر تخصص نسبي في المجالات الفرعية المرتبطة بإنترنت الأشياء مثل رسم الخرائط/التصوير، والزراعة الدقيقة، والروبوتات والطائرات بدون طيار، مقارنةً بالبلدان الأخرى في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا.

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وجمهورية كوريا وألمانيا وسويسرا المصادر الرئيسية للبراءات في قطاع الأغذية الزراعية في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا

ويبدي المبتكرون العالميون في قطاع الأغذية الزراعية تركيزاً قوياً على سوق رابطة أمم جنوب شرق آسيا. وتشمل قائمة المساهمين الرئيسيين في إصدار البراءات في قطاع الأغذية الزراعية في المنطقة دولاً غير آسيوية مثل الولايات المتحدة واليابان وجمهورية كوريا وألمانيا وسويسرا. كما تبرز بلدان محلية مثل الفلبين وإندونيسيا وتايلاند من بين أهم عشرة دول مصدرة لطلبات البراءات في منطقة الآسيان.

تودع البراءات التي تنشأ في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا في الغالب محلياً. غير أن الفحص الدقيق لمواقع الاختراعات حسب البلد يكشف عن استراتيجيات متميزة لإيداع طلبات البراءات في جميع أنحاء المنطقة.

على سبيل المثال، تضم البراءات المتعلقة بالأغذية الزراعية التي نشأت في سنغافورة 2119 عائلة براءات اختراع. ومن بين هذه البراءات، أودعت 1528 براءة على الصعيد الدولي عن طريق الويبو، ونشرت 1239 براءة في الولايات المتحدة، و955 براءة في الصين، ونشرت 793 براءة فقط في سنغافورة نفسها. ويبرز ذلك مدى اهتمام المخترعين السنغافوريين بتأمين الحماية لابتكاراتهم على الصعيد العالمي.

وفي المقابل، يُظهر مقدمو الطلبات من تايلاند وفييت نام والفلبين وماليزيا تفضيلاً لإيداع الطلبات محلياً. وتنشر غالبية البراءات المخترعة محلياً في بلدانهم.

إن أكبر مقدمي طلبات الحصول على براءات في الفلبين وإندونيسيا هم الجامعات والمؤسسات البحثية، ولكن هذه المؤسسات تقدم طلبات البراءات محلياً فقط. وفي المقابل، يركز مقدمو الطلبات من سنغافورة وماليزيا وتايلاند بشكل أكبر على حماية ابتكاراتهم على الصعيد العالمي

في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا، يمكن تصنيف أهم مقدمي طلبات الحصول على براءات في قطاع الأغذية الزراعية إلى عدة أنواع:

• شركات الأغذية والكيمياء الغذائية: ومن الأمثلة على ذلك شركات نستله وسونتوري وسي جيه تشيل جيدانغ.
• شركات التكنولوجيا الحيوية والرعاية الصحية: ومن الأمثلة على ذلك شركة هوفمان-لاروش، وجينينتك وجانسن فارماسوتيك.
• شركات الكيماويات الزراعية: ومن الأمثلة على ذلك شركات باير وباسف وسينجنتا.

وتبرز شركة نستله كشركة رائدة مهيمنة بين شركات الأغذية والكيمياء الغذائية، حيث تحتل باستمرار مرتبة متقدمة بين أكثر مقدمي طلبات البراءات في العديد من بلدان رابطة أمم جنوب شرق آسيا. وتركز شركات التكنولوجيا الحيوية والرعاية الصحية طلباتها بشكل أساسي في سنغافورة وفيتنام. وتنشط شركات الكيماويات الزراعية، المتخصصة في مبيدات الآفات والأسمدة وتقنيات البذور، في العديد من بلدان المنطقة. ويتماشى ذلك مع الإنتاج الزراعي المرتفع والطلب المرتفع على التقنيات المتقدمة في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا.

وبخلاف الاتجاهات العالمية، فإن شركات تصنيع الآلات الزراعية وشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، التي تساهم بشكل كبير في الابتكار الزراعي في جميع أنحاء العالم، أقل بروزاً في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا. ومن بين الشركات المصنعة للآلات الزراعية، لا يظهر بشكل ملحوظ سوى شركتي كوبوتا وشيمانو اليابانيتين اللتين تحتلان المراتب العشر الأولى في تايلاند وماليزيا على التوالي. أما بالنسبة لشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإن شركة كوالكوم هي الوحيدة ذات الحضور البارز، حيث تحتل المرتبة السادسة في إندونيسيا والمرتبة 17 في منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا بأكملها.

إن أكبر مقدمي طلبات الحصول على براءات في الفلبين وإندونيسيا هم الجامعات والمؤسسات البحثية، ولكن هذه المؤسسات تقدم طلبات البراءات محلياً فقط. ويركز مقدمو الطلبات من سنغافورة وماليزيا وتايلاند بشكل أكبر على حماية ابتكاراتهم على الصعيد العالمي

أظهرت الجامعات والمؤسسات البحثية في الفلبين وإندونيسيا أداءً قويًا في تسجيل البراءات. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 60% من البراءات المتعلقة بالأغذية الزراعية من هذه المؤسسات نُشرت بعد عام 2019، مما يعكس طفرة كبيرة في أنشطة الابتكار في السنوات الأخيرة.

في المقابل، فإن غالبية مقدمي الطلبات من ماليزيا وفييت نام وتايلاند وسنغافورة لديهم أقل من 60% من حافظات البراءات المنشورة بعد عام 2019. وهذا يشير إلى نمو أكثر ثباتاً واتساقاً في مجال الابتكار بدلاً من تركّز النشاط في الآونة الأخيرة. ومع ذلك، تبرز بعض شركات التكنولوجيا السنغافورية بنسبة أعلى بشكل ملحوظ من البراءات المنشورة بعد عام 2019. ويرتبط هذا الاتجاه ارتباطاً وثيقاً بالارتفاع السريع والاعتماد واسع النطاق لتقنيات إنترنت الأشياء في قطاع الأغذية الزراعية في السنوات الأخيرة.

وبالنظر إلى أحجام عائلات براءات مقدمي الطلبات المحليين، يتضح أن مقدمي الطلبات من إندونيسيا والفلبين وتايلاند يميلون إلى التركيز على حماية ابتكاراتهم داخل أسواقهم المحلية. وفي المقابل، يُظهر مقدمو الطلبات من سنغافورة وماليزيا منظوراً أكثر عالمية، حيث يركزون بشكل أكبر على تأمين حماية دولية لبراءات الاختراع لحماية ابتكاراتهم على نطاق عالمي.