يعزى وقع البشرية على البيئة، بقدر كبير، إلى تطور الطاقة والتقنيات الصناعية التي دفعت بالتقدم شوطا كبيرا إلى الأمام في القرن الماضي. ويبين التاريخ أن المجتمع يلجأ إلى التكنولوجيا، أي تطبيق العلوم لحل المشكلات العملية، بوصفها الأداة الرئيسية لمواجهة التحديات والمخاطر التي تقف أمام العالم. وتَغيّر المناخ هو اليوم أحد أعظم المخاطر التي نواجهها. ولذا فإن السياسات التي تحفز الإبداع وتعميم التكنولوجيا تكتسي أهمية حاسمة عند النظر في السبل التي يستطيع المجتمع الدولي أن يسلكها لمجابهة ذلك الخطر.
ولنظام الملكية الفكرية وقع مباشر على العديد من التقنيات القادرة على المساعدة في الحد من تغير المناخ. وبإمكان نظام الملكية الفكرية أن يسهم في صياغة العديد من الحلول المتنوعة الضرورية لمعالجة ذلك الوقع على تغير المناخ. ولمّا كانت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن التعاون بين الدول الأعضاء في مجال الملكية الفكرية (الويبو) والمكلفة بضمان التوازن والفعالية في نظام الملكية الفكرية الدولي، فبإمكانها أن تسهم بخبرتها في تلك الجهود.
نظام الملكية الفكرية جزء من الحل لمشكلة تغير المناخ
لا بد من إيلاء الأولية لهدفين رئيسيين على مستوى السياسات العامة، وهما تشجيع الاستثمار في ابتداع تقنيات مؤاتية للبيئة والإسراع في تعميم تلك التقنيات. وفي الحالتين معا، تتبلور أهمية نظام الملكية الفكرية ولا سيما البراءات، لما يؤتيه من حافز للاستثمار في الابتكار الأخضر ويسهم به من نشر سريع وعالمي للتقنيات والمعرفة الجديدة.
ويتطلب الابتكار الأخضر من القطاع الخاص استثمارات ضخمة تجد حافزها في نظام فعال بشأن البراءات. إذ يجعل نظام الملكية الفكرية من الاختراع سلعة يمكن الاتجار بها بالترخيص أو النقل ميسرا بذلك الشراكات التكنولوجية.
وبإمكان حماية البراءات بفعالية في البلدان المتلقية للتكنولوجيا أن تنهض بنقل التكنولوجيا على المستوى الدولي انطلاقا من القطاع الخاص. ضف إلى ذلك أن كل البراءات تنشر للعموم فيتجلى نظام البراءات خير مخزون من المعلومات المتاحة للجماهير عن احدث التقنيات. وهو يفصح عما يوجد من معرفة تساعد على استحداث التقنيات الجديدة وتُعين على تحديد التقنيات التي لم تعد محمية ويمكن تداولها دون قيد أو شرط.
إسهام الويبو بوصفها وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن الملكية الفكرية.
لا بد من رد من المجتمع الدولي على التحدي الذي يواجهه العالم من جراء تغير المناخ. ولما كانت الويبو وكالة الأمم المتخصصة في شؤون الملكية الفكرية، فبإمكانها أن تسهم إسهاما بناء في هذا الصدد. إذ تساعد أنشطة الويبو على تسخير نظام الملكية الفكرية أداة فعالة لابتداع من التقنيات ما يحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتعميم تلك التقنيات.
وعلى وجه الخصوص، بإمكان الويبو أن تسهم في المجالات التالية:
( أ ) أن تكون المنتدى الدولي للمناقشات حول الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا بعد كوبنهاغن:
- تضم الويبو 184 دولة عضوا وأكثر من 250 منظمة غير حكومية ونحو 70 منظمة حكومية دولية معتمدة لديها بصفة مراقب، وإذاً فهي المنتدى الرئيسي للمناقشات التي تتناول دور الملكية الفكرية وأهمية نقل التكنولوجيا في النهوض بالإبداع وتعميم التقنيات في المجالات التي نتحدث عنها.
(ب) وأن تقدم خدمات وصف الأوضاع أو "التضاريس" في مجال البراءات للمساعدة على فهم أوضاع التكنولوجيا وحقوق الملكية في التقنيات المؤاتية للمناخ على نحو أفضل.
- من الضروري تحديد التقنيات المفيدة في ضمان نقل فعال للتكنولوجيا. وفي هذا الصدد لدى الويبو بأدوات وتؤدي خدمات من أجل تعزيز النفاذ إلى التقنيات المفيدة من مصادر المعلومات المتعلقة بالبراءات، مثل بوابة "ركن البراءات" (PATENTSCOPE®)، وهي قاعدة بيانات تحتوي على أحدث المعلومات عن التطورات التكنولوجية في المجالات المتصلة بتحديات تغير المناخ في العالم.
- وبفضل تلك الأدوات والخدمات، تدرس الويبو وتستكشف أنماط البراءات وتضاريسها وتحدد الفاعلين الجدد وتفرز نشاطات القطاع العام والقطاع الخاص وتستشف الأنماط الجغرافية المقارنة وتقيّم هامش الحرية في إعمال التقنيات الرئيسية.
- وبإمكاننا أن نمضي خطوة أخرى إلى الأمام في تطوير تلك الخدمات بإنشاء قواعد بيانات محددة للتقنيات الخضراء، بما فيها من تقنيات آلت إلى الملك العام، وتحسين محتويات قواعد البيانات التكنولوجية الحالية وإمكانية النفاذ إليها، سواءً خصت البراءات أو غيرها من سندات الملكية.
(ج) وأن تقدم الدعم بتكوين الكفاءات لإدارة شؤون التكنولوجيا القادرة على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ونقل تلك التكنولوجيا، بما في ذلك المساعدة على صياغة البنود المتعلقة بالملكية الفكرية في عقود نقل التكنولوجيا.
- لا بد للجهات التي تتلقى التكنولوجيا المنقولة أن تكون قادرة على التفاوض على عقود نقل التكنولوجيا وتنظيم تلك العقود وتنفيذها فتستطيع استيعاب ما يفيدها من التكنولوجيا. وفي هذا الصدد بإمكان الويبو أن تقدم ما لديها من خبرة مستفيضة في تكوين الكفاءات في مجال الملكية الفكرية بما يكفل النجاح لصفقات نقل التكنولوجيا.
- ولدى الويبو أدوات تدريبية وعملية لتطوير الكفاءات في إدارة أصول الملكية الفكرية وحمايتها وتسويقها بما فيها صياغة البراءات والعقود المتعلقة بالترخيص للتكنولوجيا ونقلها وتقييم البراءات وتسويقها.
- وتسدي الويبو مشورتها في إنشاء البنى التحتية التنظيمية أو القانونية وتحسينها ضامنة بذلك الفعالية في نقل التكنولوجيا، وتساعد على صياغة مشروعات داعمة لإنشاء مكاتب نقل التكنولوجيا وإدارتها في الجامعات ومؤسسات البحث.
- وتقدم الويبو المساعدة التقنية إلى البلدان النامية وإلى البلدان في طور الانتقال متى احتاجت إليها في مجال التشريع للملكية الفكرية وأوجه المرونة المتعلقة بها والخيارات المتاحة على مستوى السياسات العامة، داعمة بذلك أنشطة البحث والتطوير وتشجيع الابتكار وإدارة التكنولوجيا ضمن غيرها من الأمور.
- ويمكن من باب التحديد أن تستهدف تلك الخدمات نقل التكنولوجيا "الخضراء".
(د) وأن تقدم خدمات لتسوية المنازعات في سياق عقود نقل التكنولوجيا.
- درجت الويبو منذ زمن ليس بالقصير على تسوية المنازعات في إطار مركزها المختص بالتحكيم والوساطة طارحة حلولا بديلة للمنازعات التجارية الدولية الناشئة بين الأطراف في القطاع الخاص. وهذه الحلول البديلة التي يقدمها المركز بعد أن استنبطها خبراء رائدون في تسوية المنازعات خارج الحدود الوطنية، من إجراءات للتحكيم والوساطة ومعاينة الخبراء، تحظى باعتراف واسع بوصفها الحلول المناسبة لمجال التكنولوجيا وغيرها من المنازعات التي تكون الملكية الفكرية موضوعها.
- ويمكن أن تتجه تلك الخدمات من باب التحديد نحو تسوية المنازعات الناشئة في سياق نقل التكنولوجيا "الخضراء".