بقلم إدوارد هاريس، شعبة الاتصالات في الويبو
داخل عيادة نائية تقع في نهاية طريق قرمزي التراب في مبانكومو في الكاميرون، يصل الطبيب الإلكترود إلى صدر المريض المستلقي على سرير المعاينة. ويسجل الطبيب بهمس مطمئن بيانات قلب المريض على حاسب لوحي طبي يعمل باللمس ومصمم في أفريقيا. لتنتقل بعدها المعطيات لاسلكيا عبر شبكة الهاتف النقال وتصل إلى الأخصائيين الموجودين في مراكز بعيدة في المدن، لكي تحلل وتشخص ويعطى العلاج المناسب.
مقطع فيديو: تعرفوا على أرثر زانغ مخترع الكارديوباد Video | YouTube
يجلب هذا الحاسب اللوحي عناية عالية المستوى للقلب، لأنه يتيح إجراء الفحوصات مثل الصورة البيانية الكهربائية للقلب في قرى نائية، إلى العيادات الريفية البعيدة والتي غالبا ما تكون فقيرة التجهيز، ويرتادها الكثير من الكاميرونيين للحصول على العلاج الطبي. فالجهاز يصل المرضى ممن يعانون الأمراض القلبية من قاطني الأرياف، والذين لا يملك معظمهم لا الوسيلة ولا الوقت ولا المعارف ولا القوة اللازمة للسفر إلى المدن الكبيرة، نظراً لتمركز ثلة اختصاصيي القلب في الكاميرون في المدن.
الجهاز القادر على إنقاذ حياة الناس، صمم في الكاميرون ليعالج المشكلة الكاميرونية والمنتشرة في جميع أنحاء أفريقيا، هو ثمرة عقل المهندس أرثر زانغ. وفي الوقت الحالي، قراءة البيانات القلبية والتحليل الذي يعطيه الجهاز هي مجرد محاكاة، ولكن سيتغير هذا قريبا إذا فتح الطريق أمام السيد زانغ.
ويأمل السيد زانغ الحاصل على عدة جوائز ومنح خارجية أن يحدث اختراعه (تخيل جهاز آي باد مع برنامج صنع في المنزل ليستخدم في أدغال أفريقيا) ثورة في الرعاية الطبية القلبية في الكاميرون. وهو يعتبر أن عمله التزام شخصي أيضاً.
"يعاني كثير من أفراد عائلتي من أمراض قلبية" هذا ما قاله مشيرا إلى وفاة عمه مؤخرا بسبب مرض قلبي، وتابع "تأثرت شخصيا بما حصل والأهم أن هذا زاد من حماسي لأنني أعلم كيف يعيش أهل القرى أيامهم، فقد عشت في قرية وأعلم مدى صعوبة الحصول على رعاية اختصاصي."
ووفقا لزانغ لا تملك الكاميرون سوى بضع عشرات من أطباء القلب في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 22 مليون نسمة، ويتجمع هؤلاء في المراكز الحضرية مثل العاصمة ياوندي، أو الميناء الرئيسي دوالا. مع أن ما يقرب من نصف سكان الكاميرون يعيشون في المناطق الريفية، وفقا للبنك الدولي، كما يعيش العديد في مناطق حضرية لا تتيح الوصول إلى اختصاصيي القلب.
إمكانيات إنقاذ الأرواح
رأى المهندس الشاب مشكلة وعمل على محاولة حلها. إذ بدأ السيد زانغ في عام 2009 وكان وقتها لا يزال طالبا، على تطوير برنامج يساعد الأطباء على مراقبة صحة قلوب مرضاهم. واتصل بالبروفيسور سامويل كينغه اختصاصي القلب الموجود في ياوندي، والذي ساعده على فهم أعمق لأنواع الحلول التقنية المطلوبة. وبعد حصوله على هذه النظرة الشاملة كتب المهندس الشاب البرنامج وحمّله على جهاز عادي. ولكنه سرعان ما أدرك أنه بحاجة إلى مرونة أكثر في منصته الخاصة، فعكف على تطوير جهازه الخاص، وكان كارديوباد أول حاسب لوحي طبي في أفريقيا كما قال السيد زانغ.
ويمتلك الجهاز واجهة لمس بسيطة الاستخدام متماشية مع احتياجات العاملين الصحيين في المناطق البعيدة، الذين قد يفتقرون إلى الإلمام بأحدث الأجهزة الحاسوبية والدراية اللازمة لاستخدامها. وأثبت كارديوباد أنه موثوق بنسبة 97.7% في اختبارات المجتمع العلمي الكاميروني. وبني الجهاز ليصمد في المناخ الرطب ويتحمل الصدمات العديدة التي ستصيبه حين نقله عبر الطرقات الوعرة والترابية غير المعبدة مثل تلك التي تودي إلى عيادة مبانكومو. كما صمم الجهاز ليتحمل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي في الكاميرون وبلدان أفريقيا، وذلك عبر تزويده ببطارية تتيح استعماله بشكل مستقل لمدة ست ساعات في وضع الطاقة القصوى.
استطاع السيد زانغ بفضل تمويل من حكومة الكاميرون قارب 000 30 يورو، إنتاج نموذج أول والسفر إلى الصين حيث وجد مصنعا يمكنه إنتاج نسخة محدودة من كارديوباد حينما بحث عن شركاء لتمويل مشروعه. وكان من الصعب الحصول على الاستثمارات، ولكن الاتصال بالجهة الصحيحة في الشركات العالمية هو تحد والترويج للمنتج ليس بالعمل السهل. لأن الجهاز مصمم لمساعدة الأفارقة في المجتمعات الريفية الفقيرة، وهذا شيء لا تراه كل الشركات كاحتمال واعد، كما قال السيد زانغ. وهذا هو سبب عزمه الاستفادة من نموذج تمويل حديث جدا وهو حشد التمويل على منصات مثل Kickstarter، حيث يمكن للمستخدمين التبرع بالأموال إلى الشركات الوليدة أو شراء أسهم فيها.
ويبحث زانغ في الوقت الحاضر عن مزيد من التمويل إضافة إلى منحة 000 50 فرنك سويسري تلقاها لحيازته على جائزة رولكس للشباب لعام 2014. ورغم أن مشكلة التمويل كانت مقيدة، إلا أن النماذج الرائدة التي انتجها للجهاز هي الآن تحت التجربة في مشافي الكاميرون.
ويهدف السيد زانغ إلى إنتاج الجهاز وبيعه بما يقارب 200 2 يورو، أي أرخص بكثير من مثيلاته المتوفرة في الأسواق والتي لا يمكن نقلها بنفس السهولة. مع الأمل في أن تخفض المشافي التي ستشتري كارديوباد القليل التكلفة، أسعار الفحوصات الطبية وتسرع التشخيص الطبي.
إصدار براءة لكارديوباد
وتوجه السيد زانغ إلى نظام الملكية الفكرية ليساعده على التقدم في عمله. فتقدم في ديسمبر 2011 بطلب براءة اختراع عن طريق المنظمة الأفريقية للملكية الفكرية (OAPI) في ياوندي. ومنحته المنظمة البراءة رقم 16213 على التكنولوجيا والتي تغطي بعض أوجه البرنامج والجهاز.
وكان الحصول على البراءة خطوة هامة للسيد زانغ، إذ قال "طلبتها كي أطمئن نفسي" وأضاف "ولكي أحمي المنتج وأحصل على مزيد من المصداقية في عيون الشركاء الذين سأوقع معهم عقودا من أجل إنتاج الجهاز وبيعه." ;
ويخطط زانغ لتسجيل كارديوباد، وشركته Himore Medical، التي تنتج حاليا الجهاز، كعلامات تجارية حين يتوفرالتمويل الكافي.
وقال زانغ "يمكن لنظام الملكية الفكرية أن يساعدنا هنا في أفريقيا لأنه يضفي مصداقية على المنتجات الأفريقية. ونعلم أن للمصداقية تداعيات على خطة العمل، لأنه من الصعب أن تبيع منتجك إن لم تكن ذا مصداقية."
دفع تطويرات جديدة
ويتعاون صاحب المشروع الشاب مع مهندسين شباب آخرين من الكاميرون على تطوير مجموعة من الأجهزة والتقنيات الطبية الإضافية لخدمة المناطق الريفية. ويشير إلى ما يعتبره انفصالا في بيئة الابتكار في بلده: معظم المبتكرين والمبدعين، في الحقل الطبي خاصة، صغار في السن مثله لذا نادرا ما يعانون من أمراض تدعوهم لتصميم جهاز مثل كارديوباد لعلاجها، فنصف سكان الكاميرون تقريباً، هم تحت سن الثامنة عشرة.
وعلاوة على ذلك، يزداد عدد السكان المتمدنين بسرعة، وسكان المناطق الحضرية لا يهتمون بالاحتياجات الخاصة لمن يعيشون في المناطق الريفية النائية. ويرى السيد زانغ أن الابتكار يتطلب عقلية مرنة، وفهما عميقا للنظام البيئي الاقتصادي بأكمله وقدرة على تسويق الأفكار.
"لا يمكنك التركيز على الأفكار الهندسية فقط" يقول زانغ،"بل علينا أن نذهب أبعد من ذلك، إلى البحث في المشاكل التي تواجه الأفارقة ومن ثم البحث عن حلول لها، ودعم إنشاء الشركات، وخلق حاضنات الأعمال التي يمكن أن تساعد مشاريع التنشئة والباحثين والمهندسين وتعينهم على الانتقال من المختبر إلى المصنع."
ملاحقة الحلم
وفي نهاية المطاف، حلم السيد زانغ هو مواصلة العمل على "تحسين ظروف الحياة" بالتفرع إلى مناطق أخرى من التكنولوجيا الطبية، و يتخيل تصميما خاصا لأجهزة الأمواج فوق الصوتية والصور الشعاعية.
ومن الواضح انعدام وجود هذه المواد العالية الجودة في عيادة مبانكومو. فالعيادة، المكونة من طابق واحد ومحاطة بقطعة تربة ناعمة منقطة بظل بعض الأشجار، في حالة تقشف. وتفتح النوافذ لتبريد غرف انتظار المرضى المراجعين، لكن بعض الآلات المتطورة تحت العرض. ويقول السيد زانغ إن الأطباء لا يستطيعون تلبية الاحتياجات الطبية للمرضى، والتي تتراوح ما بين العابرة إلى القاتلة. لذلك يعتبر وصل هذه العيادات مع مستشفيات أعلى تجهيز، عن طريق شبكة الهاتف النقال بمثابة شريان حياة.
ويأمل السيد زانغ أن يصنع جهازه في الكاميرون، وأن يساعد هذا على تنمية البلد كمركز لصناعة الأجهزة القليلة الكلفة والمصممة خصيصا للبيئات والأسواق ذات الموارد المنخفضة مثل تلك الموجودة في غرب أفريقيا.
ويقول "سيسهم هذا في تخفيض كلفة الفحوص الطبية والصحة الجيدة في كل المنطقة وفي القرى،" ويضيف “هذا هو الحلم الذي يتّقد في داخلي."
حول المنظمة الأفريقية للملكية الفكرية
تضمن المنظمة الأفريقية للملكية الفكرية(Organisation Africaine de la Propriété Intellectuelle) حماية حقوق الملكية الفكرية في معظم البلدان الأفريقية الناطقة بالفرنسية. وأنشأت في عام 1977 بموجب اتفاق بانغي لتقديم قانون موحد الملكية الفكرية وإنشاء مكتب الملكية الصناعية المشتركة في ياوندي، الكاميرون. وتتكون المنظمة من 17 دولة عضو: بنن وبوركينا فاصو والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وجزر القمر والكونغو والكوت ديفوار وغابون وغينيا وغينيا الاستوائية ومالي وموريتانيا والنيجر وغينيا - بيساو والسنغال وتوغو.
وفي كل دولة عضواً تعمل المنظمة كمكاتب وطنية للملكية الفكرية وكوكالة مركزية لتوثيق والإعلام في مجال الملكية الفكرية. وتقوم برامج التدريب وتشارك في وضع سياسات الملكية الفكرية.